الأربعاء، 1 أبريل 2009


جبهة الشرق بين سندان القصف الخارجي ومطرقة العصف الداخلي
محمد كامل عبد الرحمن:
من جديد عادت اسطوانة الخلافات الإثنية واثرها في تفكيك جبهة شرق السودان الموقعة على اتفاقية سلام الشرق اواخر العام 2005م، عادت الخلافات بقوة وسط اجواء مشحونة بالتوتر والترقب على خلفية مقتل المئات من قبيلة الرشايدة الرافد الرئيسي لقوات الاسود الحرة احد اطراف جبهة الشرق، حيث قتلوا في قصف بالطيران الحربي الاسرائيلي وسط جبال شعنون شمال غرب بورتسودان وهي سلسلة من الجبال تستمر حتى تخوم الحدود السودانية المصرية قبالة سواحل البحر الأحمر. ويقول العارفون ببواطن الامور داخل تنظيم جبهة الشرق غير المنظم ان بذرة الخلافات بدأت في النمو والتطور منذ اجتماع د. آمنة ضرار نائب رئيس جبهة الشرق مستشار رئيس الجمهورة بعدد من اعضاء اللجنة المركزية للجبهة وخروج المجتمعين من قاعة اجتماعات اساتذة جامعة الخرطوم بقرار اعتبره المراقبون القشة التي قصمت ظهر البعير حيث جاء في حيثيات القرار ان المجتمعين اتفقوا على ازاحة القائد موسى محمد أحمد رئيس جبهة الشرق مساعد رئيس الجمهورية من منصبه وتكوين لجنة تسيير مكلفة برئاسة د. ضرار الى حين انتخاب قيادة للتنظيم مستقبلا ومخاطبة حكومة السودان الطرف الموقع علي اتفاقية سلام الشرق باتخاذ كافة الخطوات التي من شأنها الانسجام مع روح القرار بما في ذلك اعفاء القائد موسى من منصب مساعدرئيس الجمهورية تمهيدا لتسمية آخر في ذات الموقع الذي يعتبر بنص الاتفاقية حكرا على جبهة الشرق. ويبدو ان هذا هو التفسير السليم للازمة فقد تداعت إثر ذلك الاحداث واصدر موسى محمد احمد رئيس التنظيم قرارا اعفي بموجبه د. امنة ضرار من منصبها وطالب الجهات المختصة بوضع القرار في حيز التنفيذ فورا وجاء القرار بعدختام اجتماع عاصف للجنة المركزية للتنظيم عقد بقاعة منظمة الدعوة الاسلامية بالرياض العام الماضي. الا إن جهات حكومية استطاعت ان تهدئ وتمشي بين الفرقاء بالنصيحة فسكنت الخلافات دهرا ولكنها عادت اليوم اشد عنفواناً من اى وقت مضى، فقد ذكر اعضاء من مركزية جبهة الشرق ان القائد موسي محمد احمد أُعتمد رئيساً لتنظيم مؤتمر البجا المسجل وبالتالي اصبح قانوناً غير معني بممارسة اى نشاط خلاف مظلة مؤتمر البجا وتبعه في هذا المنحى د. مبروك مبارك سليم الامين العام السابق للجبهة حيث تم تسجيل حزب الاسود الحرة برئاسته واستلم شهادة التسجيل واصبح تلقائياً رئيسا لحزب معظم اعضائه من قبيلة الرشايدة ويضم بدواعي القومية منتسبين من قبائل اخرى وهو منحى يتنافس فيه جميع الفقراء سواء في مؤتمر البجا او مجموعة آمنة ضرار أو مجموعة حسن كنتباي والخضر الذين يمثلون الاغلبية الساحقة في عضوية اللجنة المركزية لجبهة الشرق الرافضة لمؤامرة تقسيم الجبهة لاجزاء مبعثرة، ويضيف اولئك الاعضاء ان المعركة حاليا تدور بين مجموعة د. آمنة ضرار ومجموعتهم في اتخاذ ذات الخطوة التي اتذخها موسى ومبروك حيث يرغب كلا الطرفين في تسجيل حزب سياسي باسم جبهة الشرق ليكون الوعاء الكبير الذي يضم كافة الاثنيات المتعايشة بسلام في ولايات شرق السودان. ولكن ماهو دور الحكومة من كل هذا الهرج والمرج؟ هل يعقل ان لا يكون لها دور؟ ان اصابع الاتهام تتجه بشدة نحو جهات خططت لتأزيم الاوضاع داخل كيان جبهة الشرق واستطاعت التلاعب بأوتار التباينات الإثنية في تركيبة القيادة الثلاثية للجبهة ومن المهم الاشارة هنا الي ما فعلته الحكومة من منح الاموال لكل قائد على حدة للتبرع بها في زياراته لمناطق الشرق لكسب ود الجماهير وهي الفعلة التي ساهمت في تعميق الاحساس لمدى الخطوة التي يمكن ان يجدها كل من هؤلاء القادة لدي الحكومة والجهات النافذة علي قدر تجاوبه مع السياسات الحكومية الخاصة. لقد كان عملاً خاطئاً ان يتم تقسيم كيان جامع موقع على اتفاق سلام بهدف تحقيق مكاسب حزبية ضيقة ما كان لها ان تتحقق في اجواء ملبدة بغيوم الاحتقان الاثني واذا اضيفت الآثار السالبة لعملية توقيع اتفاق سلام علي خلفية ارضاء القواعد القبلية فإن الطامة الكبرى ان تهميشاً آخر وقع على اثنيات اخرى لها وجود وتاريخ في شرق السودان لم تنل من كيكة السلطة والثروة ولا منصب المعتمد حتى مثل قبائل البشاريين ذات التاريخ والجذور واصحاب مسألة حلايب المنسية وينطبق القول على قبائل الاشراف والامرأر والقبائل الشمالية المستوطنة في الاقليم منذ سالف القرون. ان عملاً ما يتم داخل كيان شرق السودان الجامع وهذا العمل من شأنه مفاقمة الاوضاع وجعل الامور اكثر سوءاً في وقت يتعرض فيه الاقليم الكبير لعملية اختراق صهيوني عبر الطائرات الحربية والطلعات المتكررة والقصف العشوائى الذي يهدد حياة السكان.

قراءة هادئة في ملف أزمة جبهة الشرق
محمد كامل عبد الرحمن :
برزت بقوة وللمرة الثانية، مقولة أن اتفاقية سلام الشرق الموقعة في اسمرا في عام 2005م لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، وهذه المرة لم تصدر المقولة من معارضي الاتفاقية من منسوبي مؤتمر البجا كما المعتاد، ولكن خرجت من أفواه القيادات السياسية السودانية، الذين يمثلون مختلف الاتجاهات من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، فالذين كانوا يعارضون الاتفاق، كانت عينهم على قضاياهم المطلبية من رفع التهميش وازالة الغبن الى نيل النصيب في البترول والذهب والوظائف، والاستحواذ على منصب الوالي في الولايات الثلاث، وغير ذلك من الحقوق، ولكن هل صحيح حسب إفادات رجال السياسة ان أزمة جبهة الشرق الأخيرة سببها الرئيسي ان الحكومة أخطأت حينما مهرت الاتفاقية وهي تعلم تماماً انها تتم وفق محاصصة قبلية وبرعاية اريترية، ما يرشحها للانفجار في مقبل الأيام؟ إن المراقبين اليوم أكدوا صدق المقولة المذكورة أعلاه، فالسلام الهش تتقاذفه رياح الأزمة المتفاقمة يومياً بين مكونات جبهة الشرق، وسفينة المجتمع المدني بولايات الشرق مهددة بالغرق في بحر النعرات القبلية والانحياز الى العنصر، وأصبح الصوت الطاغي هو صوت القبيلة ومدى تمتعها بكعكة السلطة، فهل يفلح تراكض الوسطاء الاريتريين والاصدقاء في كيان الشمال والحادبين من القوى السياسية الاخرى في نزع فتيل الأزمة؟ منذ أن تم التحالف بين مؤتمر البجا والأسود الحرة وكيان الشمال، بما افضى الى ظهور جبهة شرق السودان في اسمرا منتصف تسعينيات القرن المنصرم، ادركت الحكومة الاتحادية في الخرطوم بدفع من منسوبيها في الولايات الشرقية، أن المعركة بينها وبين قوى المعارضة يجب أن تتخذ شكلاً مغايراً عما كان عليه الحال، فالبندقية ساهمت في مفاقمة الأزمة، والأمل في الاستقرار السياسي يتضاءل يوماً بعد يوم، ولذلك كان الاتجاه الى توقيع عدد من اتفاقيات السلام غير الجاد، السلام المركوز على اصول متحركة، بحيث لا يتحقق مطلب استراتيجي ولا تندلع حرب باسباب سياسية. وهذا ما حدث بالضبط في اتفاق ابوجا واتفاقية القاهرة واتفاقية اسمرا مثار الحديث. ولعل في التصريحات الصحفية المتحسرة من قيادات قوى المعارضة الموقعة على تلك الاتفاقات ما فيه الكفاية. ومن الجدير بالذكر القول إنه كلما تم توقيع اتفاق سلام، انبرى له من يعمل حثيثاً لتقويضه برعاية ودعم غير محدود من اجسام هلامية لا تعرف لها رأساً او ذيلا، فالذين قوضوا اتفاقية ابوجا وجدوا العذر في الفساد المالي الذي استشرى في السلطة الانتقالية، وما تزال سبة العمالة ومعارضة الفنادق تطارد منسوبي التجمع المشاركين في حكومة الوحدة الوطنية وتمنعهم نيل المكاسب. ولذلك لم يكن غريباً ان تطفو على سطح الأحداث التصريحات والتصريحات المضادة التي تتبادلها قيادات جبهة الشرق، فالنتيجة الحتمية للغوص العميق هي سبر الأغوار والنخر في العظام تمهيداً لتقسيم جبهة الشرق الى اجزاء عديدة تضعف تماسك مكوناتها، تمهيداً لعقد تحالفات ثنائية مصلحية تصب في منفعة القوى السياسية الأكثر قدرة على المراوغة والاستفادة من التناقضات. وبعيداً عن جدلية من يملك الحق في فصل رئيس جبهة الشرق موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية او من يقصي نائبته الدكتورة آمنة ضرار من منصبها بصفتها مستشارة برئاسة الجمهورية، ويرث الاوضاع من بعدهما، يستحسن القول إن جبهة الشرق عبارة عن تحالف كبير يضم مكونات شتى، بحسب ميرغني الخضر سكرتير السكرتارية العامة وأمين الشؤون السياسية والتنظيمية بالجبهة، وأن هذا التحالف كان مصدر القوة التي بموجبها اعترفت به الحكومة، ووقعت بموجب ذلك الاعتراف اتفاقية سلام الشرق، وأن على الحلفاء ألا يفرطوا في مصدر قوتهم، وإلا تفرقوا أيدي سبأ وورثت القوى السياسية الأخرى الناشطة في الشرق قواعدهم بامتياز، وهذا لا ينفي أن الحكومة هي أكبر المتضررين من هذه المسرحية- في شقها الأمني- التي زينها بعضهم باعتبارها تصب في مصلحة المؤتمر الوطني بشرق السودان، فالمؤتمر الوطني لم يرث خيراً من الأوضاع في دارفور، بعد أن اصبحت الديار مرتعاً للقوى الاجنبية والإقليمية، وهو لن يحصد الا السراب اذا ما مضت أزمة جبهة الشرق في التفاقم المفضي الى الكارثة. ويكفي تحذيراً أن حراكاً كثيفاً يتم في الظلام في أصقاع نائية تمهد لتأزيم الأوضاع بالشرق بما يفضي الى اندلاع احتراب جديد على خلفية فشل العملية السلمية، ووقوف الحكومة موقف المتفرج من أزمة جبهة الشرق. ومن الواضح أن عملية الاستفراج هذه لن تطول كثيراً، لأن حلفاء الأمس فرقاء اليوم، سيطالبون كل على حدة بضرورة ان تلتزم الحكومة بما يرونه صحيحاً، فمؤتمر البجا إذا ما تطاول ليل الأزمة بالتأكيد سيطالب الحكومة برحيل مستشارة الرئيس من منصبها، وسيسمي أحدهم في المقعد الخالي. وكذا الامر على صعيد الطرف الآخر، وستستقطب الأزمة كافة الاطراف للاستقواء والظفر، وسيكون على الحكومة ان تخسر طرفاً يشق طريقه الى خارج الحدود بحثاً عن الحقوق السليبة. هذا هو السيناريو المتوقع، وهو سيناريو يتكرر للأسف الشديد كل عام، ولا احد يستطيع توقيفه، لانه يتم تحت سمع وبصر الحكومة. والآن بحسب المصادر سيعقد اجتماع طارئ أوائل سبتمبر المقبل، تلتئم فيه اللجنة المركزية لجبهة الشرق- تضم 59 عضواً غالبيتهم مؤتمر بجا- للنظر في قضايا مهمة من ضمنها عزل نائبة رئيس جبهة الشرق من منصبها التنظيمي والتنفيذي، وعدد من منسوبي الجبهة في الجهازين التنفيذي والتشريعي، وتسمية آخرين من قومية البني عامر، ومخاطبة الجهات الرسمية بضرورة إصدار القرارات الموافقة بما ينعكس سلباً على التماسك الداخلي في مثل هذا الظرف الذي تعيشه البلاد. والمدهش أنه سيتم أيضاً يوم الجمعة القادم اجتماع لعدد من اعضاء اللجنة المركزية الذين يشغلون مناصب دستورية برئاسة آمنة ضرار، وينوي الاجتماع تسمية رئيس جديد لجبهة الشرق، وبالضرورة سيكون من قومية الهدندوة بعد أن تم في اجتماع دار اساتذة جامعة الخرطوم إقصاء رئيس جبهة الشرق موسى محمد أحمد، وتكليف نائبته برئاسة التنظيم الى حين إشعار آخر!! ومن الواضح أنه إذا ما سارت الأمور بالمتوالية التصاعدية التي هي عليها الآن، فإن الأوضاع في شرق السودان ستأخذ في التفاقم نحو الأسوأ، خاصة أن الشهور القليلة الماضية، شهدت شداً وجذباً على صعيد الاستقرار هناك، فالمجاعة على الأبواب والخريف كاد أن ينتهي ولم تتحرك العملية الزراعية قيد أنملة، وبعض المسرحين من قوات جبهة الشرق يشكون من عدم استلام أنصبتهم من الدعم المقرر لهم على قلته، للانخراط في مجتمعاتهم المحلية، وتنتابهم مشاعر مختلفة من الإحباط وتباعد ثمرة السلام المنشود. وبين هذا وذاك تنشط عمليات اللجوء من دول الجوار لأسباب غذائية، وتشهد الحدود يومياً تسريبات بشرية تنسرب الى الداخل، تمهيداً للرحيل الى ملاذات آمنة، تفضي إلى دخول اسرائيل عبر الحدود المصرية.

ماذا بعد تمديد ولاية سيما سمر؟
محمد كامل عبد الرحمن
من المهم جداً ونحن نتحدث عن مجريات الامور خلال دورة انعقاد مجلس حقوق الانسان التاسعة والتي تم التجديد عبرها لإستمرار ولاية المقرر الخاص شهور عديدة اخرى، من المهم ان نذكر بأن ملف حقوق الانسان بالسودان في طريقه للإقتران بملف المحكمة الدولية بلاهاي طال الزمن ام قصر شئنا ام ابينا وسيكون المدخل نحو المطالبة بمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب هو التقارير التي ترصدها المنظمات الدولية المعنية بأوضاع حقوق الإنسان، فقد جرت تحت جسر الاسبوعين الماضيين مياه كثيرة خلال مداولات المؤتمرين لتقرير سيما سمر المقرر الخاص لحقوق الانسان بالسودان والذي قدمته أثناء مداولات المجلس في دورة إنعقاده التاسعة مصحوباً بملاحق مزعجة عن التقدم والتأخر في اوضاع حقوق الانسان بالسودان خلال عام ، ففي الوقت الذي أكدت فيه المقررة تعاون حكومة السودان فيما يلي نيتها معالجة القوانين المحلية المناهضة لاتفاقيات جنيف الاربعة اشارت في ذات الوقت الي ان اوضاع حقوق الانسان بالسودان تزداد سوءاً خاصة في دارفور وركزت علي الإجراءات الرسمية التي نفذت بعد أحداث ام درمان الاخيرة واصفة ما تم من اعتقالات وسط بعض المتهمين بانها اعتقالات اعتباطية مورست بتمييز اثني واضح وطالبت برعاية الاطفال الجنود الذين تم توقيفهم اثناء الاحداث باعتبارهم ضحايا استغلال من قبل آخرين، واتخذت المقررالخاص هذه الحادثة دليلاً قائماً يدعم ما جاء في مجمل حيثيات تقريرها ولم تنس ان تطعمه بتوابل متنوعة بذكر اوضاع حقوق الانسان بجنوب السودان بين النقد والتشجيع علي اتخاذ المزيد من الإجراءات الموجبة لتعزيز حالة الحقوق بالجنوب، وما يدعو للتأمل العميق ان منظمات طوعية عالمية ومحلية انبرت للتأكيد علي صحة ماجاء في تقرير سيما سمر لترسيخ الفكرة السائدة اصلاً عن تردي اوضاع حقوق الانسان بدارفور ، فقد ذكر متحدث بإسم منظمة هيومن رايتس ووتش ان المدنيين في دارفور يتعرضون لقصف متواصل بالطائرات العسكرية من قبل القوات الحكومية وذكر ان عدد الضحايا ارتفع في الأونة الاخيرة ليتجاوز المائة قتيل سقطوا بنيران الطائرات الحكومية ثم ذكر اعداد الضحايا الذين قتلوا في احداث معسكر كلمة الاخيرة واصفاً الحكومة السودانية بالمجرمة والمنتهكة لحقوق السكان والمدنيين ومطالباً المجلس في ذات الوقت بإتخاذ القرارات المناسبة لإدانة الحكومة السودانية وضمان عدم إفلات المسؤلين عن الجرائم المزعومة من العقاب. والمدهش في الأمر انه بعد ان تحدث المتحدث باسم هيومن رايتس وشارف علي إنهاء حديثه جاء صوت من المنصة الرئيسية لمجلس حقوق الانسان يفيد بأن المتحدث المذكور لا يمثل منظمة هيومن رايتس ووتش وان الفرصة ستتاح للإستماع الي المتحدثة الرسمية بإسم منظمة هيومن رايتس ووتش وبالفعل تحدثت المذكورة واستكملت حديث سابقها وزادت عليه بكيل المزيد من الاتهامات ضد الحكومة السودانية ومؤسساتها الامنية والعسكرية. وبحسب سير الامور فقد استمع المجلس لجميع الاطراف ذات الصلة بملف حقوق الانسان بالسودان واتيحت الفرصة لدحض ما جاء في تقرير المقرر الخاص إلا انها لم تستغل الاستغلال الانسب حيث تحدث وكيل وزارة العدل نيابة عن الحكومة السودانية مدافعاً بأن السودان ادخل اصلاحات قانونية عديدة من اجل تعزيز حقوق الانسان وطالب المجتمع الدولي بتشجيع هذه الجهود وتقديم الدعم اللازم لاستمرارها غير ان الدفوعات الحكومية لم تتطرق الي ما جاء بملحق تقرير سيما سمر وهو امر مهم للغاية حيث ان مشروع القرار الذي تبنته المجموعة الاوربية اعتمد علي ما جاء بملحق التقرير واستند عليه في حيثيات مطالباته بضرورة الضغط علي حكومة السودان لاتخاذ المزيد من التدابير لتعزيز اوضاع حقوق الانسان ما فتح الباب واسعاً لدول داخل المجموعة الافريقية لامساك العصا من المنتصف والمطالبة بصورة جماعية ملفتة للنظر بضرورة اعتماد المجلس مبدأ عدم الإفلات من العقاب حين النظر في المسألة السودانية وهي اس محتوى المشروع الاوربي ومن الواضح للناظر في لب الموضوع ان الامر ينطوي على خبث ومكر صريحين بحيث تبدو العلاقة واضحة بين مداولات المجلس من جهة والخطوات الجارية لتأزيم إشكالية السودان مع المحكمة الدولية من جهة ثانية. وتحدث آخرون من المجموعة الوطنية لحقوق الانسان حول اوضاع حقوق الانسان وتم تنفيذ ندوة داخل مباني الامم المتحدة بجنيف عن ازمة دارفور وتسييس المحكمة الدولية تضمنت محاولات متواضعة لتفنيد إدعاءات اوكامبو ضد السودان بيد ان ندوة ممثلي اتحاد المحامين العرب التي سبقتها بذات القاعة كانت اقوي حجة واكثر تنظيماً حيث حضرها عدد كبير من الصحفيين العرب والاجانب وبدا ان اتحاد المحامين العرب اكثر دفاعاً عن السودان من كثير من اصحاب الشأن ممن لا يحسنون استخدام الاعلام والوسائط الاعلامية للتبشير بالمبادئ والحقوق ويبدو ان اتحاد المحامين العرب بدأ يدفع ثمن وقفته الشجاعة مع السودان حيث كثرت في الاونة الاخيرة المقالات الناقدة للإتحاد الواصفة إياه بإدمان الهروب من الوقوف مع المستضعفين في الوطن العربي ، وشاركت وفود من مفوضية نزع السلاح وإعادة الإدماج والتسريح ونالت مفوضية شمال السودان صوت شكر من مجلس حقوق الانسان لنشاطها الجاد في إدماج المسرحين واعتماد آليات جديدة للعمل كما شارك وفد من اتحاد المرأة ووفود من عدد من المنظمات غير الحكومية مثل المنظمة الافريقية الامريكية للتنمية البشرية ومنظمة تنمية الطفل والمنظمات المنضوية تحت مظلة اسكوفا ومنظمة الشهيد الزبير ومنظمة معارج ومنظمة احياء التراث النوبي ومنظمة تنمية المابان ومنظمة الدفاع عن المدنيين الدارفورية وغيرها ما يعد امراً جديراً بالتقدير للدور المتعاظم الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني غير الحكومية رغم وجود سلبيات عديدة وأخطاء جسيمة خلال المشاركة تحتاج الى مراجعات في المرات المقبلة الا انها مفيدة في التنبيه للاخطار قبل حدوثها وهو فهم متقدم مثل حاجة البشرية دوماً الي تطوير الاجهزة الكاشفة للزلازل والهزات الارضية تقليلاً للخسائر والاضرار . وعوداً الى مسألة المحاولات الجادة الجارية للربط بين حالة حقوق الإنسان وأزمة المحكمة الدولية من المفيد التقرير بأن مشروع القرار الاوربي كان يهدف عبر بنوده الي تمديد ولاية المقرر الخاص بالسودان وقد كان وسعي لضمان تعاون السودان مع المحكمة الدولية ولو علي المستوى الأدنى وهو بالضبط ما أشار اليه السيد رئيس الجمهورية عقب صدور إدعاءات المدعي العام حين كشف عن صفقة قدمها الغرب بترك قضية مطالبة الرئيس اذا تم تسليم المطلوبين الاوائل مثل هارون وكشيب وهو الامر الذي يرفضه السيد الرئيس تماماً- وفي الحالة الأخيرة سيقوم الاتحاد الاوربي بتصعيد الازمة الى نهاياتها البعيدة الكفيلة بزعزعة الأمن والإستقرار بالسودان لفترة قد تطول او تقصر ومن الواضح ان مجادلة خيارات كهذه تبدو عصية على كثير من القائمين بالامر لانها تزيد الامور تعقيداً الى تعقيد إن التعويل علي تفويت الفرصة ومحاصرة مخططات اعداء البلاد يجب ان يتجه الى خيارات وطنية منذ تاريخ اللحظة فقد اتضح جلياً ان الغرب سبق وان اتخذ خياراته بتصعيد مسألة المحكمة الجنائية الى نهاياتها مستخدماً كافة الوسائط المتاحة ومن بينها مجلس حقوق الانسان وما وراءه من مفوضيات وسيتخذ الغرب تدابير أُخُر عبر وسائط اُخرى وصولاً الى تكامل الأدوارونجاح المخطط ونحن مطالبون بإتخاذ تدابير وقائية بذات المنهج فهل هناك من متابع أم ان الأجهزة التنفيذية تنتظر صدور قرار قضاة المحكمة الدولية لتبدأ في حشد الحشود؟!!!. بقي ان نذكر ان دولة روسيا الفدرالية قدمت مداخلة ممتازة بتقديم التساؤل الى اعضاء المجلس حول مفهوم الإفلات من العقاب هل يقتصر تطبيقه فقط على تلك الدول الإفريقية البائسة فيما تمرح قوات الدول العظمى في العراق وافغانستان وفي العديد من مناطق العالم وتقتل المدنيين العزل ثم لا تخضع لسلطة المحكمة الجنائية بلاهاي أم سيعمد المجلس الموقر الي اتخاذ تدابير جديدة تضمن عدم إفلات كل المتسببين في انتهاكات ضد حقوق الإنسان من العقاب؟ وبدا التساؤل الروسي في مكانه في الوقت الذي تسخن فيه آليات الحرب الباردة مجدداً أمام إستحسان غالب دول العالم أملاً في التخلص من قبضة القوى الآحادية الامريكية. من المهم جداً ونحن نتحدث عن مجريات الامور خلال دورة انعقاد مجلس حقوق الانسان التاسعة والتي تم التجديد عبرها لإستمرار ولاية المقرر الخاص شهور عديدة اخرى، من المهم ان نذكر بأن ملف حقوق الانسان بالسودان في طريقه للإقتران بملف المحكمة الدولية بلاهاي طال الزمن ام قصر شئنا ام ابينا وسيكون المدخل نحو المطالبة بمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب هو التقارير التي ترصدها المنظمات الدولية المعنية بأوضاع حقوق الإنسان، فقد جرت تحت جسر الاسبوعين الماضيين مياه كثيرة خلال مداولات المؤتمرين لتقرير سيما سمر المقرر الخاص لحقوق الانسان بالسودان والذي قدمته أثناء مداولات المجلس في دورة إنعقاده التاسعة مصحوباً بملاحق مزعجة عن التقدم والتأخر في اوضاع حقوق الانسان بالسودان خلال عام ، ففي الوقت الذي أكدت فيه المقررة تعاون حكومة السودان فيما يلي نيتها معالجة القوانين المحلية المناهضة لاتفاقيات جنيف الاربعة اشارت في ذات الوقت الي ان اوضاع حقوق الانسان بالسودان تزداد سوءاً خاصة في دارفور وركزت علي الإجراءات الرسمية التي نفذت بعد أحداث ام درمان الاخيرة واصفة ما تم من اعتقالات وسط بعض المتهمين بانها اعتقالات اعتباطية مورست بتمييز اثني واضح وطالبت برعاية الاطفال الجنود الذين تم توقيفهم اثناء الاحداث باعتبارهم ضحايا استغلال من قبل آخرين، واتخذت المقررالخاص هذه الحادثة دليلاً قائماً يدعم ما جاء في مجمل حيثيات تقريرها ولم تنس ان تطعمه بتوابل متنوعة بذكر اوضاع حقوق الانسان بجنوب السودان بين النقد والتشجيع علي اتخاذ المزيد من الإجراءات الموجبة لتعزيز حالة الحقوق بالجنوب، وما يدعو للتأمل العميق ان منظمات طوعية عالمية ومحلية انبرت للتأكيد علي صحة ماجاء في تقرير سيما سمر لترسيخ الفكرة السائدة اصلاً عن تردي اوضاع حقوق الانسان بدارفور ، فقد ذكر متحدث بإسم منظمة هيومن رايتس ووتش ان المدنيين في دارفور يتعرضون لقصف متواصل بالطائرات العسكرية من قبل القوات الحكومية وذكر ان عدد الضحايا ارتفع في الأونة الاخيرة ليتجاوز المائة قتيل سقطوا بنيران الطائرات الحكومية ثم ذكر اعداد الضحايا الذين قتلوا في احداث معسكر كلمة الاخيرة واصفاً الحكومة السودانية بالمجرمة والمنتهكة لحقوق السكان والمدنيين ومطالباً المجلس في ذات الوقت بإتخاذ القرارات المناسبة لإدانة الحكومة السودانية وضمان عدم إفلات المسؤلين عن الجرائم المزعومة من العقاب. والمدهش في الأمر انه بعد ان تحدث المتحدث باسم هيومن رايتس وشارف علي إنهاء حديثه جاء صوت من المنصة الرئيسية لمجلس حقوق الانسان يفيد بأن المتحدث المذكور لا يمثل منظمة هيومن رايتس ووتش وان الفرصة ستتاح للإستماع الي المتحدثة الرسمية بإسم منظمة هيومن رايتس ووتش وبالفعل تحدثت المذكورة واستكملت حديث سابقها وزادت عليه بكيل المزيد من الاتهامات ضد الحكومة السودانية ومؤسساتها الامنية والعسكرية. وبحسب سير الامور فقد استمع المجلس لجميع الاطراف ذات الصلة بملف حقوق الانسان بالسودان واتيحت الفرصة لدحض ما جاء في تقرير المقرر الخاص إلا انها لم تستغل الاستغلال الانسب حيث تحدث وكيل وزارة العدل نيابة عن الحكومة السودانية مدافعاً بأن السودان ادخل اصلاحات قانونية عديدة من اجل تعزيز حقوق الانسان وطالب المجتمع الدولي بتشجيع هذه الجهود وتقديم الدعم اللازم لاستمرارها غير ان الدفوعات الحكومية لم تتطرق الي ما جاء بملحق تقرير سيما سمر وهو امر مهم للغاية حيث ان مشروع القرار الذي تبنته المجموعة الاوربية اعتمد علي ما جاء بملحق التقرير واستند عليه في حيثيات مطالباته بضرورة الضغط علي حكومة السودان لاتخاذ المزيد من التدابير لتعزيز اوضاع حقوق الانسان ما فتح الباب واسعاً لدول داخل المجموعة الافريقية لامساك العصا من المنتصف والمطالبة بصورة جماعية ملفتة للنظر بضرورة اعتماد المجلس مبدأ عدم الإفلات من العقاب حين النظر في المسألة السودانية وهي اس محتوى المشروع الاوربي ومن الواضح للناظر في لب الموضوع ان الامر ينطوي على خبث ومكر صريحين بحيث تبدو العلاقة واضحة بين مداولات المجلس من جهة والخطوات الجارية لتأزيم إشكالية السودان مع المحكمة الدولية من جهة ثانية. وتحدث آخرون من المجموعة الوطنية لحقوق الانسان حول اوضاع حقوق الانسان وتم تنفيذ ندوة داخل مباني الامم المتحدة بجنيف عن ازمة دارفور وتسييس المحكمة الدولية تضمنت محاولات متواضعة لتفنيد إدعاءات اوكامبو ضد السودان بيد ان ندوة ممثلي اتحاد المحامين العرب التي سبقتها بذات القاعة كانت اقوي حجة واكثر تنظيماً حيث حضرها عدد كبير من الصحفيين العرب والاجانب وبدا ان اتحاد المحامين العرب اكثر دفاعاً عن السودان من كثير من اصحاب الشأن ممن لا يحسنون استخدام الاعلام والوسائط الاعلامية للتبشير بالمبادئ والحقوق ويبدو ان اتحاد المحامين العرب بدأ يدفع ثمن وقفته الشجاعة مع السودان حيث كثرت في الاونة الاخيرة المقالات الناقدة للإتحاد الواصفة إياه بإدمان الهروب من الوقوف مع المستضعفين في الوطن العربي ، وشاركت وفود من مفوضية نزع السلاح وإعادة الإدماج والتسريح ونالت مفوضية شمال السودان صوت شكر من مجلس حقوق الانسان لنشاطها الجاد في إدماج المسرحين واعتماد آليات جديدة للعمل كما شارك وفد من اتحاد المرأة ووفود من عدد من المنظمات غير الحكومية مثل المنظمة الافريقية الامريكية للتنمية البشرية ومنظمة تنمية الطفل والمنظمات المنضوية تحت مظلة اسكوفا ومنظمة الشهيد الزبير ومنظمة معارج ومنظمة احياء التراث النوبي ومنظمة تنمية المابان ومنظمة الدفاع عن المدنيين الدارفورية وغيرها ما يعد امراً جديراً بالتقدير للدور المتعاظم الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني غير الحكومية رغم وجود سلبيات عديدة وأخطاء جسيمة خلال المشاركة تحتاج الى مراجعات في المرات المقبلة الا انها مفيدة في التنبيه للاخطار قبل حدوثها وهو فهم متقدم مثل حاجة البشرية دوماً الي تطوير الاجهزة الكاشفة للزلازل والهزات الارضية تقليلاً للخسائر والاضرار . وعوداً الى مسألة المحاولات الجادة الجارية للربط بين حالة حقوق الإنسان وأزمة المحكمة الدولية من المفيد التقرير بأن مشروع القرار الاوربي كان يهدف عبر بنوده الي تمديد ولاية المقرر الخاص بالسودان وقد كان وسعي لضمان تعاون السودان مع المحكمة الدولية ولو علي المستوى الأدنى وهو بالضبط ما أشار اليه السيد رئيس الجمهورية عقب صدور إدعاءات المدعي العام حين كشف عن صفقة قدمها الغرب بترك قضية مطالبة الرئيس اذا تم تسليم المطلوبين الاوائل مثل هارون وكشيب وهو الامر الذي يرفضه السيد الرئيس تماماً- وفي الحالة الأخيرة سيقوم الاتحاد الاوربي بتصعيد الازمة الى نهاياتها البعيدة الكفيلة بزعزعة الأمن والإستقرار بالسودان لفترة قد تطول او تقصر ومن الواضح ان مجادلة خيارات كهذه تبدو عصية على كثير من القائمين بالامر لانها تزيد الامور تعقيداً الى تعقيد إن التعويل علي تفويت الفرصة ومحاصرة مخططات اعداء البلاد يجب ان يتجه الى خيارات وطنية منذ تاريخ اللحظة فقد اتضح جلياً ان الغرب سبق وان اتخذ خياراته بتصعيد مسألة المحكمة الجنائية الى نهاياتها مستخدماً كافة الوسائط المتاحة ومن بينها مجلس حقوق الانسان وما وراءه من مفوضيات وسيتخذ الغرب تدابير أُخُر عبر وسائط اُخرى وصولاً الى تكامل الأدوارونجاح المخطط ونحن مطالبون بإتخاذ تدابير وقائية بذات المنهج فهل هناك من متابع أم ان الأجهزة التنفيذية تنتظر صدور قرار قضاة المحكمة الدولية لتبدأ في حشد الحشود؟!!!. بقي ان نذكر ان دولة روسيا الفدرالية قدمت مداخلة ممتازة بتقديم التساؤل الى اعضاء المجلس حول مفهوم الإفلات من العقاب هل يقتصر تطبيقه فقط على تلك الدول الإفريقية البائسة فيما تمرح قوات الدول العظمى في العراق وافغانستان وفي العديد من مناطق العالم وتقتل المدنيين العزل ثم لا تخضع لسلطة المحكمة الجنائية بلاهاي أم سيعمد المجلس الموقر الي اتخاذ تدابير جديدة تضمن عدم إفلات كل المتسببين في انتهاكات ضد حقوق الإنسان من العقاب؟ وبدا التساؤل الروسي في مكانه في الوقت الذي تسخن فيه آليات الحرب الباردة مجدداً أمام إستحسان غالب دول العالم أملاً في التخلص من قبضة القوى الآحادية الامريكية. محمد كامل عبد الرحمن

شهر المبادرات.. الأمل أن يغاث فيه الناس ويعصرون
محمد كامل عبد الرحمن
من الواضح أن السياسات بالسودان تسير هذه الأيام على غير المعتاد نحو الإنفتاح على الآخر بعد أن غرقت البلاد في خضم الاستقطاب والاستقطاب المضاد بين الخصماء ردحاً من الزمن، ومن المهم جداً أن نقول للمحسن أحسنت طالما أن النصائح أصبحت تؤتي أكلها في بلد لا يزال أبناؤه يحملون السلاح ضد بعضهم البعض في صراع مرير على السلطة التي توشك أن تأتي عليها النوائب بحيث لا يتبقى منها كرسي أو شبر أرض لحاكم. ولوقت قريب كان البعض يعلَّق على نصائح الناصحين بالقول أنها مجرد هرطقات أو بالقول أن هؤلاء يهرفون بما لا يعرفون وأن للسلطة مفكرون يكفونها تغول المتغولين وشر الأفكار الهدامة، ويقولون لو أننا اتبعنا آراء أصحاب الرأي لتخطفنا المعارضون ولتمزّقت الإنقاذ شر ممزق! إن مبادرة أهل السودان التي انبرى لها نفر من أصحاب السلطة في محاولة لتصحيح مسار الحكم المستفرد بالآلة التنفيذية والمالية هي محاولة جيدة لانقاذ ما يمكن انقاذه مما أصابته أحداث دارفور المتلاحقة والتي يمسك بعضها برقاب الآخر ولعل أسوأها ما يثار حول جرجرة المجتمع الدولي للوضع في دارفور بحيث يمكن من محاكمة رأس البلاد ورمز سيادتها انتصافاً للضحايا الذين سقطوا بأعداد كبيرة منذ اندلاع الأزمة والى تاريخه، ومن البدهي القول بأن ترك الامور تتدحرج نحو حافة المطالبات القضائية الدولية ليس من الحكمة في شيء والأوفق أن تتعاهد القوى السياسية في الحكم والمعارضة للوصول الى رأي حاسم بشأن مشكلة دارفور وحلها حلاً جذرياً ناجعاً يحمي البلاد ويوفر الحماية للمدنيين الذين ما زالوا يدفعون فاتورة الصراع موتاً وقتلاً ونزوحاً عن القرى والمعسكرات، حلاً يرضى به جميع الذين يحملون السلاح والذين لا يحملونه، والرأي الحاسم لا يأتي من تلقاء نفسه وإنما تتم خدمته بالمشاورات الدائبة المكثفة وفي النهاية مؤكد أن المجتمعين سيصلون الى رؤية يتم نشرها على الملأ فيها الحل والسلام ونحن من هذا المنطلق نترقّب مع المترقبين وفترة اسبوعين ليست طويلة والرأي العام يتوقّع من أصحاب مبادرة أهل السودان أن يخرجوا على الملأ بإجابة صريحة وواضحة لسؤال ظل يؤرّق مضاجع المخلصين.. كيف تحل مشكلة دارفور من خلال الإجابة على السؤال المرادف كيف يُحكم السودان إبتداءً؟ وكيف يتم التعامل مع قضايا التنمية البشرية وتنمية البنى التحتية لأن موضوع التنمية ليس وقفاً على المسؤولين المختصين فحسب بل أصبح موضوع التنمية هو السبب الرئيسي لإندلاع النزاعات في السودان ولولا مسألة طريق الإنقاذ الغربي لما برزت قضية دارفور الى السطح بهذه الطريقة الدرامية المتسارعة ولولا التهميش والفقر والمرض لما حمل أبناء الشرق السلاح ولولا الظلم والغبن ما عارض السكان في الولاية الشمالية قيام السدود المفيدة للبلاد ولولا العطاءات التي تتسم بعدم الشفافية لما برزت في وسائل الإعلام قضايا الفساد وفاحت روائحها الكريهة في الأراضي والمباني والطرق والجسور والإنشاءات المختلفة ولما اوقف الوالي المتعافي إجراءات إنشاء موقف المواصلات الجديد على خلفية مسألة (الكودة- كركر) ولولا كذا ما كان كذا والجميع يعلم أن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن بعضهم يحتفظ بعشق مفرط للشيطان ولذلك يتسببون للسودان بكل هذا القدر من المشكلات. وعلى غرار مبادرة أهل السودان لحلحلة مشاكل الوطن انطلقت مبادرة حيوية ومهمة جداً تحت عنوان مبادرة أهل الصحة لتطوير العمل الصحي بالبلاد ولعمري ان مشكلة التردي في الخدمات الصحية بالسودان ليست بأقل حجماً وتأثيراً من مشكلة دارفور ويكفي دليلاً وشاهداً قائماً تقرير المجلس الطبي الأخير عن سوء الإدارة والخدمات بالمستشفيات الحكومية ومن البلاغة القول بأن ذلك التقرير ينبغي ان يكون مرجعاً لعمل إصلاحي لمن يرغب من أصحاب القرار، والمبادرة بحسب د. الطيب العبيد أحمد رئيس لجنة المبادرة وأختصاصي الأشعة بمستشفى الخرطوم تقوم على اسس منهجية في التعريف برسالة الاستشفاء بين الماضي والحاضر والتطلع الى بيئة عمل إداري معافاة من أمراض الذوات وجعل الشفافية المطلقة في العمل منهجاً ونبراساً، كما تهدف المبادرة الى تطوير وترقية الخدمة الطبية التي تقدم للمرضى لتتماشى مع روح مفهوم التأمين الصحي وتسعى من خلال التشاور والنقاش الهادئ لبلورة مفهوم موحَّد حول طرائق اختيار قيادات العمل التنفيذي مستقبلاً لأن ساحة العمل الصحي في حقبة الانقاذ أصبحت مسرحاً للاستقطابات الحادة والمصالح المتضاربة ومكائد مراكز القوى ومافيا الدواء والإرتزاق. إنه عام المبادرات وهذه هي السمات، أن يتدافع الناس لتغيير الأوضاع السالبة الى نقيضها عملاً بقول الكتاب العزيز الحكيم (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ونحن نتمنى أن يكون عاماً فيه يغاث الناس وفيه يعصرون وبهذا الفهم المتقدِّم للسير إلى الأمام في جميع المسائل والساحات يمكن لأبناء السودان المتحدين العازمين على الإصلاح أن يكسروا طوق الهزيمة الملتف حول رقبة البلاد وأن يخرجوها من ظلمات الأنانية والصراع المميت على السلطة إلى رحابة نور السلام والاستقرار بمشاركة الجميع.

مبادرة أهل الصحة.. في الليلة الظلماء يفتقد البدر


مبادرة أهل الصحة.. في الليلة الظلماء يفتقد البدر
محمد كامل عبد الرحمن
منذ عدة شهور كتبنا على صفحات هذه الصحيفة الغراء تحت عنوان (شهر المبادرات الأمل أن يغاث فيه الناس ويعصرون) عن قضايا الاصلاح في القطاع الصحي على خلفية مبادرة أهل الصحة التي أطلقها د.الطيب العبيد اختصاصي الأشعة بمستشفى الخرطوم وآخرون، وأشرنا الى أوراق العمل التي كان المذكورون بصدد تقديمها عبر مبادرتهم لترقية وتطوير الخدمات بكافة المستشفيات في المركز والولايات، ولكن وبسبب العتريسين الذين لا يرغبون في رؤية الأفكار الجيدة وهي تأتي ممن يعتقدون أنهم دون المقام وئدت تلك المبادرة في مهدها عبر اتصال تليفوني من مسؤول رفيع المستوى بوزارة الصحة مع معارف له بمجلس الوزراء الموقر كانت نتيجته مساءلة أصحاب المبادرة أمنيا وتكاسلهم بعدها عن مواصلة المهمة النبيلة. ولكن لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه فقد تكشفت في الايام الماضية عبر تحقيق صحفي مثير باحدى الصحف كافة تفاصيل التردي الكبير للأوضاع في مستشفى الخرطوم وبرز الخلل الاداري الذي ظل مستترا منذ تعيين مدير مستشفى الخرطوم الحالي عبر اختياره من مجموعة مرشحين بواسطة وكيل الوزارة رفعت اليه عبر مجلس ادارة المستشفى الذي انعقد وقتها بمركز التطوير المهني المستمر. فقد أبرز التحقيق الصحفي المفارقة في قيام مجلس الادارة بتكوين لجنة مراقبة تراقب أداء مدير المستشفى الذي سبق وأن تم ترشيحه وآخرين من ذات مجلس الادارة، ويبدو ان عامل الزمن كشف العديد من الاخفاقات فيما يتعلق بادارة ازمات المستشفى المستمرة وأوضح بجلاء وجود صراعات مصلحية حول عطاءات ادارة مرافق المستشفى الخدمية مثل الكافتيريا والاكشاك وأبان عن موطن من مواطن الخلل المالي الكبير حينما أشار الى ضبابية مستقر ايرادات منشآت المستشفى مثل المركز التشخيصي المتطور الذي يدور فيه صراع بحسب التحقيق بين ادارة المستشفى واحدى الشركات التي أبرمت عقدا بأن ايرادات المركز تذهب مناصفة بينها والمستشفى!! بيد أن أخطر ما كشفته الايام هو اخفاق مشروع توطين العلاج بالداخل الذي كانت تعول عليه وزارة الصحة كثيرا وتعتبره انجازا من انجازاتها ولكن حقيقة الامر ان هذا المشروع يعيش في افواه المسؤولين فقط وليس له في ارض الواقع وجود وما زال الناس يتجشمون مشقة السفر للتداوي بالخارج بسبب تردي الخدمات العلاجية بالداخل وكثرة الاخطاء الطبية الناجمة عن الاهمال مما ورد في تقرير مجلس التخصصات الطبية. ان المشكلات الجمة التي تعج بها مستشفى الخرطوم تحتاج الى مبضع جراح ونطاس بارع ومن المهم الاعتراف بالذنب والرجوع الى الحق وعلى وزارة الصحة الاتحادية، ان تتذكر انها قطعت الطريق ذات يوم على نفر كريم مختصين جاءوا بمبادرة لتطوير وترقية الخدمات صبوا فيها كافة خبراتهم وعصارة جهدهم وبدلاً من الترحيب بالمبادرة حاربوها قبل أن يتبينوا أهدافها على المستوى البعيد والى أولئك وهؤلاء نهديهم قول ابو فِراس الحمداني سيذكرني قومي اذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. محمد كامل عبد الرحمن