الأربعاء، 1 أبريل 2009


شهر المبادرات.. الأمل أن يغاث فيه الناس ويعصرون
محمد كامل عبد الرحمن
من الواضح أن السياسات بالسودان تسير هذه الأيام على غير المعتاد نحو الإنفتاح على الآخر بعد أن غرقت البلاد في خضم الاستقطاب والاستقطاب المضاد بين الخصماء ردحاً من الزمن، ومن المهم جداً أن نقول للمحسن أحسنت طالما أن النصائح أصبحت تؤتي أكلها في بلد لا يزال أبناؤه يحملون السلاح ضد بعضهم البعض في صراع مرير على السلطة التي توشك أن تأتي عليها النوائب بحيث لا يتبقى منها كرسي أو شبر أرض لحاكم. ولوقت قريب كان البعض يعلَّق على نصائح الناصحين بالقول أنها مجرد هرطقات أو بالقول أن هؤلاء يهرفون بما لا يعرفون وأن للسلطة مفكرون يكفونها تغول المتغولين وشر الأفكار الهدامة، ويقولون لو أننا اتبعنا آراء أصحاب الرأي لتخطفنا المعارضون ولتمزّقت الإنقاذ شر ممزق! إن مبادرة أهل السودان التي انبرى لها نفر من أصحاب السلطة في محاولة لتصحيح مسار الحكم المستفرد بالآلة التنفيذية والمالية هي محاولة جيدة لانقاذ ما يمكن انقاذه مما أصابته أحداث دارفور المتلاحقة والتي يمسك بعضها برقاب الآخر ولعل أسوأها ما يثار حول جرجرة المجتمع الدولي للوضع في دارفور بحيث يمكن من محاكمة رأس البلاد ورمز سيادتها انتصافاً للضحايا الذين سقطوا بأعداد كبيرة منذ اندلاع الأزمة والى تاريخه، ومن البدهي القول بأن ترك الامور تتدحرج نحو حافة المطالبات القضائية الدولية ليس من الحكمة في شيء والأوفق أن تتعاهد القوى السياسية في الحكم والمعارضة للوصول الى رأي حاسم بشأن مشكلة دارفور وحلها حلاً جذرياً ناجعاً يحمي البلاد ويوفر الحماية للمدنيين الذين ما زالوا يدفعون فاتورة الصراع موتاً وقتلاً ونزوحاً عن القرى والمعسكرات، حلاً يرضى به جميع الذين يحملون السلاح والذين لا يحملونه، والرأي الحاسم لا يأتي من تلقاء نفسه وإنما تتم خدمته بالمشاورات الدائبة المكثفة وفي النهاية مؤكد أن المجتمعين سيصلون الى رؤية يتم نشرها على الملأ فيها الحل والسلام ونحن من هذا المنطلق نترقّب مع المترقبين وفترة اسبوعين ليست طويلة والرأي العام يتوقّع من أصحاب مبادرة أهل السودان أن يخرجوا على الملأ بإجابة صريحة وواضحة لسؤال ظل يؤرّق مضاجع المخلصين.. كيف تحل مشكلة دارفور من خلال الإجابة على السؤال المرادف كيف يُحكم السودان إبتداءً؟ وكيف يتم التعامل مع قضايا التنمية البشرية وتنمية البنى التحتية لأن موضوع التنمية ليس وقفاً على المسؤولين المختصين فحسب بل أصبح موضوع التنمية هو السبب الرئيسي لإندلاع النزاعات في السودان ولولا مسألة طريق الإنقاذ الغربي لما برزت قضية دارفور الى السطح بهذه الطريقة الدرامية المتسارعة ولولا التهميش والفقر والمرض لما حمل أبناء الشرق السلاح ولولا الظلم والغبن ما عارض السكان في الولاية الشمالية قيام السدود المفيدة للبلاد ولولا العطاءات التي تتسم بعدم الشفافية لما برزت في وسائل الإعلام قضايا الفساد وفاحت روائحها الكريهة في الأراضي والمباني والطرق والجسور والإنشاءات المختلفة ولما اوقف الوالي المتعافي إجراءات إنشاء موقف المواصلات الجديد على خلفية مسألة (الكودة- كركر) ولولا كذا ما كان كذا والجميع يعلم أن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن بعضهم يحتفظ بعشق مفرط للشيطان ولذلك يتسببون للسودان بكل هذا القدر من المشكلات. وعلى غرار مبادرة أهل السودان لحلحلة مشاكل الوطن انطلقت مبادرة حيوية ومهمة جداً تحت عنوان مبادرة أهل الصحة لتطوير العمل الصحي بالبلاد ولعمري ان مشكلة التردي في الخدمات الصحية بالسودان ليست بأقل حجماً وتأثيراً من مشكلة دارفور ويكفي دليلاً وشاهداً قائماً تقرير المجلس الطبي الأخير عن سوء الإدارة والخدمات بالمستشفيات الحكومية ومن البلاغة القول بأن ذلك التقرير ينبغي ان يكون مرجعاً لعمل إصلاحي لمن يرغب من أصحاب القرار، والمبادرة بحسب د. الطيب العبيد أحمد رئيس لجنة المبادرة وأختصاصي الأشعة بمستشفى الخرطوم تقوم على اسس منهجية في التعريف برسالة الاستشفاء بين الماضي والحاضر والتطلع الى بيئة عمل إداري معافاة من أمراض الذوات وجعل الشفافية المطلقة في العمل منهجاً ونبراساً، كما تهدف المبادرة الى تطوير وترقية الخدمة الطبية التي تقدم للمرضى لتتماشى مع روح مفهوم التأمين الصحي وتسعى من خلال التشاور والنقاش الهادئ لبلورة مفهوم موحَّد حول طرائق اختيار قيادات العمل التنفيذي مستقبلاً لأن ساحة العمل الصحي في حقبة الانقاذ أصبحت مسرحاً للاستقطابات الحادة والمصالح المتضاربة ومكائد مراكز القوى ومافيا الدواء والإرتزاق. إنه عام المبادرات وهذه هي السمات، أن يتدافع الناس لتغيير الأوضاع السالبة الى نقيضها عملاً بقول الكتاب العزيز الحكيم (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ونحن نتمنى أن يكون عاماً فيه يغاث الناس وفيه يعصرون وبهذا الفهم المتقدِّم للسير إلى الأمام في جميع المسائل والساحات يمكن لأبناء السودان المتحدين العازمين على الإصلاح أن يكسروا طوق الهزيمة الملتف حول رقبة البلاد وأن يخرجوها من ظلمات الأنانية والصراع المميت على السلطة إلى رحابة نور السلام والاستقرار بمشاركة الجميع.

ليست هناك تعليقات: