الأربعاء، 1 أبريل 2009


قراءة هادئة في ملف أزمة جبهة الشرق
محمد كامل عبد الرحمن :
برزت بقوة وللمرة الثانية، مقولة أن اتفاقية سلام الشرق الموقعة في اسمرا في عام 2005م لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، وهذه المرة لم تصدر المقولة من معارضي الاتفاقية من منسوبي مؤتمر البجا كما المعتاد، ولكن خرجت من أفواه القيادات السياسية السودانية، الذين يمثلون مختلف الاتجاهات من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، فالذين كانوا يعارضون الاتفاق، كانت عينهم على قضاياهم المطلبية من رفع التهميش وازالة الغبن الى نيل النصيب في البترول والذهب والوظائف، والاستحواذ على منصب الوالي في الولايات الثلاث، وغير ذلك من الحقوق، ولكن هل صحيح حسب إفادات رجال السياسة ان أزمة جبهة الشرق الأخيرة سببها الرئيسي ان الحكومة أخطأت حينما مهرت الاتفاقية وهي تعلم تماماً انها تتم وفق محاصصة قبلية وبرعاية اريترية، ما يرشحها للانفجار في مقبل الأيام؟ إن المراقبين اليوم أكدوا صدق المقولة المذكورة أعلاه، فالسلام الهش تتقاذفه رياح الأزمة المتفاقمة يومياً بين مكونات جبهة الشرق، وسفينة المجتمع المدني بولايات الشرق مهددة بالغرق في بحر النعرات القبلية والانحياز الى العنصر، وأصبح الصوت الطاغي هو صوت القبيلة ومدى تمتعها بكعكة السلطة، فهل يفلح تراكض الوسطاء الاريتريين والاصدقاء في كيان الشمال والحادبين من القوى السياسية الاخرى في نزع فتيل الأزمة؟ منذ أن تم التحالف بين مؤتمر البجا والأسود الحرة وكيان الشمال، بما افضى الى ظهور جبهة شرق السودان في اسمرا منتصف تسعينيات القرن المنصرم، ادركت الحكومة الاتحادية في الخرطوم بدفع من منسوبيها في الولايات الشرقية، أن المعركة بينها وبين قوى المعارضة يجب أن تتخذ شكلاً مغايراً عما كان عليه الحال، فالبندقية ساهمت في مفاقمة الأزمة، والأمل في الاستقرار السياسي يتضاءل يوماً بعد يوم، ولذلك كان الاتجاه الى توقيع عدد من اتفاقيات السلام غير الجاد، السلام المركوز على اصول متحركة، بحيث لا يتحقق مطلب استراتيجي ولا تندلع حرب باسباب سياسية. وهذا ما حدث بالضبط في اتفاق ابوجا واتفاقية القاهرة واتفاقية اسمرا مثار الحديث. ولعل في التصريحات الصحفية المتحسرة من قيادات قوى المعارضة الموقعة على تلك الاتفاقات ما فيه الكفاية. ومن الجدير بالذكر القول إنه كلما تم توقيع اتفاق سلام، انبرى له من يعمل حثيثاً لتقويضه برعاية ودعم غير محدود من اجسام هلامية لا تعرف لها رأساً او ذيلا، فالذين قوضوا اتفاقية ابوجا وجدوا العذر في الفساد المالي الذي استشرى في السلطة الانتقالية، وما تزال سبة العمالة ومعارضة الفنادق تطارد منسوبي التجمع المشاركين في حكومة الوحدة الوطنية وتمنعهم نيل المكاسب. ولذلك لم يكن غريباً ان تطفو على سطح الأحداث التصريحات والتصريحات المضادة التي تتبادلها قيادات جبهة الشرق، فالنتيجة الحتمية للغوص العميق هي سبر الأغوار والنخر في العظام تمهيداً لتقسيم جبهة الشرق الى اجزاء عديدة تضعف تماسك مكوناتها، تمهيداً لعقد تحالفات ثنائية مصلحية تصب في منفعة القوى السياسية الأكثر قدرة على المراوغة والاستفادة من التناقضات. وبعيداً عن جدلية من يملك الحق في فصل رئيس جبهة الشرق موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية او من يقصي نائبته الدكتورة آمنة ضرار من منصبها بصفتها مستشارة برئاسة الجمهورية، ويرث الاوضاع من بعدهما، يستحسن القول إن جبهة الشرق عبارة عن تحالف كبير يضم مكونات شتى، بحسب ميرغني الخضر سكرتير السكرتارية العامة وأمين الشؤون السياسية والتنظيمية بالجبهة، وأن هذا التحالف كان مصدر القوة التي بموجبها اعترفت به الحكومة، ووقعت بموجب ذلك الاعتراف اتفاقية سلام الشرق، وأن على الحلفاء ألا يفرطوا في مصدر قوتهم، وإلا تفرقوا أيدي سبأ وورثت القوى السياسية الأخرى الناشطة في الشرق قواعدهم بامتياز، وهذا لا ينفي أن الحكومة هي أكبر المتضررين من هذه المسرحية- في شقها الأمني- التي زينها بعضهم باعتبارها تصب في مصلحة المؤتمر الوطني بشرق السودان، فالمؤتمر الوطني لم يرث خيراً من الأوضاع في دارفور، بعد أن اصبحت الديار مرتعاً للقوى الاجنبية والإقليمية، وهو لن يحصد الا السراب اذا ما مضت أزمة جبهة الشرق في التفاقم المفضي الى الكارثة. ويكفي تحذيراً أن حراكاً كثيفاً يتم في الظلام في أصقاع نائية تمهد لتأزيم الأوضاع بالشرق بما يفضي الى اندلاع احتراب جديد على خلفية فشل العملية السلمية، ووقوف الحكومة موقف المتفرج من أزمة جبهة الشرق. ومن الواضح أن عملية الاستفراج هذه لن تطول كثيراً، لأن حلفاء الأمس فرقاء اليوم، سيطالبون كل على حدة بضرورة ان تلتزم الحكومة بما يرونه صحيحاً، فمؤتمر البجا إذا ما تطاول ليل الأزمة بالتأكيد سيطالب الحكومة برحيل مستشارة الرئيس من منصبها، وسيسمي أحدهم في المقعد الخالي. وكذا الامر على صعيد الطرف الآخر، وستستقطب الأزمة كافة الاطراف للاستقواء والظفر، وسيكون على الحكومة ان تخسر طرفاً يشق طريقه الى خارج الحدود بحثاً عن الحقوق السليبة. هذا هو السيناريو المتوقع، وهو سيناريو يتكرر للأسف الشديد كل عام، ولا احد يستطيع توقيفه، لانه يتم تحت سمع وبصر الحكومة. والآن بحسب المصادر سيعقد اجتماع طارئ أوائل سبتمبر المقبل، تلتئم فيه اللجنة المركزية لجبهة الشرق- تضم 59 عضواً غالبيتهم مؤتمر بجا- للنظر في قضايا مهمة من ضمنها عزل نائبة رئيس جبهة الشرق من منصبها التنظيمي والتنفيذي، وعدد من منسوبي الجبهة في الجهازين التنفيذي والتشريعي، وتسمية آخرين من قومية البني عامر، ومخاطبة الجهات الرسمية بضرورة إصدار القرارات الموافقة بما ينعكس سلباً على التماسك الداخلي في مثل هذا الظرف الذي تعيشه البلاد. والمدهش أنه سيتم أيضاً يوم الجمعة القادم اجتماع لعدد من اعضاء اللجنة المركزية الذين يشغلون مناصب دستورية برئاسة آمنة ضرار، وينوي الاجتماع تسمية رئيس جديد لجبهة الشرق، وبالضرورة سيكون من قومية الهدندوة بعد أن تم في اجتماع دار اساتذة جامعة الخرطوم إقصاء رئيس جبهة الشرق موسى محمد أحمد، وتكليف نائبته برئاسة التنظيم الى حين إشعار آخر!! ومن الواضح أنه إذا ما سارت الأمور بالمتوالية التصاعدية التي هي عليها الآن، فإن الأوضاع في شرق السودان ستأخذ في التفاقم نحو الأسوأ، خاصة أن الشهور القليلة الماضية، شهدت شداً وجذباً على صعيد الاستقرار هناك، فالمجاعة على الأبواب والخريف كاد أن ينتهي ولم تتحرك العملية الزراعية قيد أنملة، وبعض المسرحين من قوات جبهة الشرق يشكون من عدم استلام أنصبتهم من الدعم المقرر لهم على قلته، للانخراط في مجتمعاتهم المحلية، وتنتابهم مشاعر مختلفة من الإحباط وتباعد ثمرة السلام المنشود. وبين هذا وذاك تنشط عمليات اللجوء من دول الجوار لأسباب غذائية، وتشهد الحدود يومياً تسريبات بشرية تنسرب الى الداخل، تمهيداً للرحيل الى ملاذات آمنة، تفضي إلى دخول اسرائيل عبر الحدود المصرية.

ليست هناك تعليقات: