الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

لمواطني هوشيري مظلمة مرفوعة للسيد نائب الرئيس


محمد كامل عبد الرحمن:

أدروب ولوف كما يقول المثل السوداني الشائع ولكنه بجانب سماحته وطيبته الزائدة لا يرضى الحقارة والظلم ،ولذلك هاتفني الاخوة عثمان هاشم اوهاج وبعلاب من منطقة هوشيري بولاية البحر الاحمر بخصوص رفع مظلمة سكان المنطقة عبر الصحف لتقع في يد السيد نائب رئيس الجمهورية الاستاذ علي عثمان محمد طه، فالرجل يمسك بخيوط تنفيذية يمكن ان تساهم في معالجة الامر معالجة جذرية. والمختصر المفيد عن مشكلة مواطني هوشيري يلخصه الأخ حسن بعلاب بالقول ان حكومة ولاية البحر الاحمر كانت قد كونت لجنة لتطوير وتنمية منطقة هوشيري بعد ان وقع اختيار الجهاز الحكومي الاتحادي على المنطقة لتكون الميناء الثاني بعد ميناء بشائر الاول فاصبحت في فترة وجيزة ميناء بشائر الثاني ومن البديهي ان نقول ان الميناء قام على انقاض اراضي مواطني هوشيري الذين وافقوا على ان تؤول لصالح المصلحة الوطنية العليا على ان يتم تعويضهم التعويض المجزي. وقد رأت حكومة ولاية البحر الأحمر ان تكوِّن اللجنة المشار إليها عاليه برئاسة د. سليمان الكنزي وعضوية اثنين من اعضاء مجلس تشريعي ولاية البحر الأحمر هما حسن منيب واركا عثمان صالح واحد الضباط الاداريين بأمانة الحكومة والشاهد ان اللجنة تسلمت مبلغ خمسين مليوناً بالوصف القديم للجنيه السوداني كمبلغ مرصود للتنمية واقامة بعض السدود والآبار .وتقول شكوى رفعها المواطن اوهاج حسن اوهاج لدى السلطات القضائية بالولاية ان اللجنة لم تنفذ أي مشروع وان الاموال التي تم تجميعها باسم اللجنة من الفاضلابي مدير هيئة الموانئ البحرية وقتها ومن وزارة الطاقة خصماً من الصندوق الاجتماعي لشركة أرياب ومن جهات اخرى هذه الاموال جمعت بتوصية من السيد نائب الرئيس علي عثمان محمد طه ولكن لا توجد تنمية حقيقة ونحن نطالب بتكوين لجنة تقصي حقائق لتفيد المواطنين والمسؤولين على السواء بتقرير مفصل عن ما حدث. ان مواطني هوشيري بولاية البحر الاحمر نُزعت منهم اراضيهم الزراعية لصالح ميناء بشائر الثاني وحرم المزارعون من الزراعة بالنزع، ومن مفارقات الاوضاع في هوشيري ان الاراضي التي تم نزعها من اصحابها تزرع الآن بواسطة موظفي ومنسوبي بشائر وبقية الشركات الوافدة على المنطقة ،الامر الذي ولد شعوراً بالغبن تجاه هذه السياسات المجحفة بل يقول حسن بعلاب المواطن بهوشيري وعضو مجلس تشريعي الولاية عن المنطقة ان سلطات منطقة بشائر اصبحت تقوم بحملات اعتقال واسعة لحمير المواطنين التي ترعى في خلاء المنطقة وتأكل من نبات الارض وتساءل بعلاب الذي اضطر لاطلاق سراح عدد من الحمير من حظيرة البلدية بعد دفع مبلغ مائة جنيه كغرامة عن مغزى اعتقال الحمير. وقال ان المواطنين يمكن ان يتفهموا عملية حظر دخول الحمير لمنطقة ميناء بشائر وعدم دخول المناطق السكنية ولكن لماذا تحارب السلطات حمير المواطنين في الخلاء؟ ان مواطني هوشيري يتوقعون ان تجد مظلمتهم الاهتمام اللازم من السيد نائب الرئيس بعد ان ضاعت حقوقهم وتظلماتهم وسط الصخب الحكومي حول كلمة التنمية الفضفاضة ،ومن المهم انصاف أدروب الولوف الذي تنازل عن أرضه في هوشيري لصالح اقامة مشروع بشائر الثاني، ان انصاف أدروب يأتي من باب هل جزاء الاحسان إلا الاحسان.

النهضة الزراعية بالنيل الأبيض حقيقة أم أسطورة؟

محمد كامل عبد الرحمن :
كانت مشاريع الإعاشة بالنيل الأبيض فكرة تنموية متقدّمة ابتكرتها العقلية الوطنية منذ قيام أول حكومة وطنية بعد الاستقلال، وكان الأمل أن تتم دراستها وإدخال التطويرات المستمرة عليها والتفكر في إمكانية تطبيقها في مناطق أخر من ربوع السودان، ولو أن السياسيين السودانيين يتوارثون الأفكار الجيدة مثلما يتوارثون الزعامات وقيادة الأحزاب والدوائر الانتخابية، لكنا اليوم سلة غذاء العالم بحق وحقيق ولاختصرنا عقوداً من الاقتتال بسبب الصراع على السلطة والثروة ولما أجلنا النظر في مساحاتنا الزاعية الشاسعة وتحسرنا على مشهدها وهي تشكو القحط والجفاف وجحود النعمة. هذه المقدّمة فرضتها وقائع البطء في تنفيذ ما يسمى بالنهضة الزراعية في ولاية النيل الأبيض مهد الزراعة والمياه الوفيرة التي تنساب عبر مجرى النهر الهادي الذي يشق تلك البقاع، فقد شكا آلاف المزارعين القاطنين في القرى حول مشروع الرحمة الزراعي بمحلية الدويم من بطء أعمال مدّ الترعة الرئيسية للمشروع والتي تبشر بري عشرة آلاف فدان إضافي ليتكامل المجموع مع بقية المساحات التي يتم استصلاحها عبر مشروع الرحمة، وحتى تاريخه لا يعرف السكان لماذا لا يسارع وزير الزراعة بالولاية سليمان مكي سليمان بانجاز عملية شق الترعة الإضافية للمزارعين في قرى شات والفلفلة وقوز الأحمر ومجق وقوز مرعفيب وغيرها؟ وهم يحملون الوزير مسؤولية تأخير العملية الزراعية بتلك المناطق ويطالبون والي الولاية محمد نور الله التجاني بضرورة الإيفاء بمستحقات التنمية وفق برنامج النهضة الزراعية الذي اعتمدته الحكومة المركزية كسياسة قومية واجبة التنفيذ وإذا كانت الحكومة قد رصدت لها من الميزانيات ما يكفي فلماذا البطء في شق ترعة شات؟ ومن المعلوم أن الترعة المذكورة تتطلّب شق مساحة سبعة كيلومترات من دوران مشروع الرحمة وأربعة كيلومترات إضافية لضمان وصول مياه الري لأكبر مساحة من الأرض الصالحة للزراعة، كما يطالب المزارعون بتوفير وابور إضافي وتوسيع ترعة الرحمة للسماح بجريان أكبر قدر من المياه لمقابلة عملية ري آلاف الأفدنة والتي ستعود على البلاد بالمحصولات والخير الوفير. إن قرى محلية الدويم الواقعة بالناحية الغربية من المدينة ظلت تعاني من التهميش وانعدام التنمية لعقود من الزمان، ومن النصفة والاعتدال أن تقوم الدولة ممثلة في حكومة ولاية النيل الأبيض بمكافأة السكان في تلك المناطق بشق ترعة شات خاصة وان اغلبهم مزارعون ولا يطلبون أكثر من مياه وتقاوى، وقد وعدهم الوزير سليمان مكي بشق الترعة وقد مضى علي وعده ذاك قرابة العام ونحن نخشى أن يتطاول الأمر ويدب اليأس في قلوب المزارعين فينصرفون إلى ممارسة التجارة الهامشية والهجرة الى المدن. إن الدولة مطالبة بتوفير معينات الزراعة لمن يقول أعطونا الري والتقاوى وسنعطيكم الخضرة والمحاصيل والخضروات والفاكهة بإذن الله، وحتى يتحقق حلم النهضة الزراعية من المهم القول إنه لا زراعة بلا ماء وإنما تقوم الدولة بتوفير المياه للمزارعين حتى تتكامل الأدوار من اجل سودان اخضر في كل ربوعه من مروي في اقصى الشمال الى شات في قلب النيل الأبيض والتي كان يضرب بها المثل في العمران الزراعي، وكانت تعرف بالدويم شات أمامها بحر وخلفها حواشات، والآن يعيش السكان في تلك البقاع أسوأ فترات سنيهم، فإلى جانب حسرتهم اليومية على منظر الارض البور البلقع التي لا تجد الري واعتمادهم على ماء السماء في مواسم الخريف يتصبرون أيضاً على العطش وقلة مياه الشرب وقلة الآبار لهم ولأنعامهم وهم بين هذا وذاك مضطرون لتصديق كل أسطورة ولو كانت وعداً بنهضة زراعية مؤجلة أو بطيئة الجريان.

ملف حقوق الإنسان...الأبعاد الثلاثية


محمد كامل عبد الرحمن:

هل كان الوفد الحكومي المشارك في إجتماعات مجلس حقوق الانسان بجنيف ينتظر مكافأة من المجلس الدولي على التحسن المضطرد لحالة الحقوق في السودان؟ اذا كان الوفد يتطلع الى نيل ذلك يكون قد تجاهل طريقة المجلس في النظر الى حالة الحقوق والآليات التي يعتمد عليها في الوصول الى المعلومات وغربلتها وإستخلاص النتائج عبر تحليلها وفق برنامج الإحصاء التحليلي..ثم تأتي بعد ذلك المؤثرات السياسية وجماعات الضغط والمنظمات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الانسان ليتشكل في نهاية المطاف القرار الذي يمكن ان يصدر في ختام اعمال الإجتماع الحادي عشر للمجلس والذي انعقد بمقر المجلس بمدينة جنيف السويسرية منتصف الشهر الجاري ، فإذا كان الوفد الحكومي قد تجاهل قواعد اللعبة فإن قرار المجلس بتعيين خبير مستقل لحقوق الانسان بالسودان يجب ان لا يشكل صدمة ، وعلى الآليات الحكومية ان تنشط مجدداً بإبتكار المزيد من الأفكار الجيدة وممارسة التدريب العملي للحاق بالملف الراكض دوماً نحو المجهول. لقد بدأ القصور الحكومي في معالجة ملف حقوق الانسان منذ العام الماضي اثناء إنعقاد الإجتماع العاشر للمجلس في سبتمبر الماضي ، فقد بدا واضحاً ان الممسكين بالملف رسمياً لا يهتمون بالمعلومات التي يمكن ان تعتمد عليها السيدة سيما سمر المقرر الخاص بالحالة في السودان حينما تزور البلاد لجمع المعلومات وتوردها في ملحق خاص مع التقرير، واكتفوا بما هو رائج في وسائل الاعلام عن إجازة البرلمان لبعض القوانين المعززة لحقوق الانسان مثل قانون الطفل والمرأة وحقوق ذوي الإعاقة متناسين ان المجلس إنما يصدر عن رؤية متكاملة لحقوق الانسان تتصدر الحقوق العامة والحريات المدنية والسياسية أعلى سلم أولويات إهتمامات المجلس ، ومن المهم ان يملكوا المقرر الخاص كافة المعلومات الخاصة بالتحسن والإخفاق الحكومي في هذا المجال ويمكنوها من زيارة المناطق التي تطلب زيارتها حتي تتحقق من المعلومات المتسربة الي حقيبتها من النشطاء المستقلين ، والتعامل معها علي اساس انها موظفة اممية وليست ناشطة سياسية في احد احزاب المعارضة السودانية لأن النظر اليها من هذه الزاوية فيه الكثير من الإساءة الى وظيفتها وبالتالي الإساءة الي المجلس والمنظومة الاممية ككل ، والأفضل من كل ذلك عدم الإكتراث للأمر ورفض التعامل مع المجلس الدولي وعدم تجشم مشقة السفر الي جنيف كل عام مرتين وتبديد المال العام في الصرف علي الكومبارس الرسمي والطوعي المصاحب ، وللمعلومية فإن نفقات سفر المجموعات الطوعية شبه الحكومية مثل المجموعة الوطنية لحقوق الانسان التي يرأسها ابراهيم عبدالحليم الامين العام لمؤسسة الشهيد الزبير الخيرية بلغت مائة وخمسون الف دولار في الإجتماع العاشر لمجلس حقوق الانسان تم صرف اكثر من 70% منها علي تذاكر السفر والفنادق السويسرية والنزول الي مصر فيما ظل مصير بقية المبلغ مجهولاً مثل عدد اصحاب الكهف الذين لا يعلم عددهم إلا قليل واذا اضفنا الي المبلغ المذكور حقيقة المبالغ التي تم رصدها لما يسمي المجموعة الوطنية دون بقية النشطاء للمشاركة في الاجتماع الاخير فإن الحصيلة ستكون المزيد من الاموال المبددة ادراج الرياح. ان المجلس باعتماده لآلية الخبير المستقل وإطرائه للتحسن في حالة حقوق الانسان في السودان في الفترة القليلة الماضية إنما يبني قراره علي المعلومات غير المنظورة التي توافرت له عبر آلياته ومصادره الخاصة ، وإلا فإن الطبيعي اذا كان المجلس يثق في حقيقة التحسن المذكور ان يتبني رؤية السودان والمجموعة الإفريقية والعربية بإلغاء ولاية المقرر الخاص وعدم إعتماد اي آلية تخص حالة حقوق الانسان... ولكن ومع ذلك يتبقي الأمل في تبني الجهات الرسمية المعنية بملف حقوق الانسان المعالجات الجادة المتعلقة بالملف والإهتمام بما يمكن ان يفيد في المستقبل من اطروحات هي الآن موجودة بأيدي خبراء في الشأن الإنساني لهم تجارب ثرة في معرفة طرائق اتخاذ القرار في المنابر الدولية ، ويجيدون التعامل مع تحديات الملف دون الإضرار بمسار الامور ، والشاهد ان هؤلاء الخبراء تتعمد بعض الجهات المقربة للسلطات تهميشهم بمختلف الأسباب وحرمانهم من المشاركة في الإعداد لاجتماعات المجلس الدورية نذكر منهم علي سبيل المثال الدكتور فتح الرحمن القاضي الناشط والخبير في الشؤون الانسانية والدولية واول مفوض للعمل الانساني بالسودان بل احد المؤسسين لهذا الصرح الكبير وهو رجل يشهد له جميع الناشطين في هذا المجال بالكفاءة والمقدرة علي إدارة الأوراق وله رؤي متقدمة في هذا المجال ، وللأسف الشديد تعرض هذا الرجل لحالة تجسس شنيعة من قبل ناشط عجوز في المجموعة الوطنية حينما طلب الاخير من السفير السويسري مده بقائمة اسماء المشاركين تحت مظلة المنظمة التي ينشط فيها الأول ، وهو سلوك يدعو للتأسف الشديد خاصة حينما يصدر من رجل كبير في السن يفترض فيه الحكمة وتحري الرشد والالتزام بتعاليم الإسلام ، وقد عبر السفير السويسري عن إستغرابه لسلوك الرجل وقام بإخطار المعنيين بالامر ضارباً مثلاً رائعاً في الحفاظ علي احترامه لمبادئ العمل الدبلوماسي. إن التحدي الماثل امام الجهات الرسمية والطوعية في الفترة القادمة مع تسلم الخبير المستقل المكلف بمتابعة ملف حقوق الانسان بالسودان لمهامه هو الجلوس لتدارك الامور والنظر في تاريخ المعالجات الرسمية للملف وما اذا كانت مجدية او ساهمت في فك اسم السودان من منظومة الإدانات المستمرة التي لا ينفك المجتمع الدولي إطلاقها علي البلاد ، كما يستلزم الامر كذلك دراسة حالة منظماتنا الوطنية الناشطة في مجال حقوق الانسان وما اذا كانت بالفعل تخدم القضية والسودان والانسان فقد برزت في الآونة الاخيرة الكثير من المنظمات الطفيلية المموهة والتي يطلق عليها المنظمات شبه الحكومية والتي يديرها ناشطون يجيدون إستخراج الأموال الحكومية للسفريات المتكررة ولا يجيدون إخراج إسم السودان من مستنقع الإدانات المتكررة ، ويعملون بسياسة ( كن خبيثاً تكسب) خاصة اولئك العجائز الذين يحرصون علي الظهور في المدن الاوربية وهم يرتدون الكوت الطويل والنظارات السوداء مثل عملاء الكي جي بي القدامي ويتأبطون الحقائب الجلدية الممتلئة بالدولار واليورو، وهم حقيقة لا يقدمون شيئاً لبلادهم سوي السلوكيات المستهجنة واكتساب الخبرة الطويلة الممتازة في تبديد المال العام وتوريثها لآخرين ، وهكذا تستمر الاسطوانة المشروخة عن المشاركة الدورية المزعومة للمنظمات في إجتماعات المجلس الدولي لحقوق الانسان. كما ان تحديات المرحلة القادمة تفرض نفسها بإعتماد العلمية في التعامل مع المؤسسات الدولية ، العلمية والتقانة الحديثة وليس الخطابات العاطفية التي تحوي طلبات خجولة من المجتمع الدولي لتمويل سياسات حكومية من اجل تعزيز حالة حقوق الانسان ، ومن المهم الإشارة الي ان مؤسسات المجتمع الدولي تملك إمكانيات التمويل ولكنها لن تبذلها اذا كانت المعلومات الواردة من دولة ما مشوشة وتحتوي علي اغلاط وفرضيات لا تؤسس لرؤية واضحة ، ومن المهم كذلك النظر الي مؤسساتنا ومنظماتنا الوطنية المتخصصة في متابعة وتعزيز حقوق الانسان بعين الرعاية خلاف جرثومة النظرة الإقصائية التي أفلح البعض في نقلها الي المسؤولين بدافع الإستحواز وحب التملك ، وعلي الجهات المختصة مراجعة الهياكل القائمة والتفاكر حول ما اذا كانت ترضي طموحاتنا وهل يحتاج مثلاً المجلس الاستشاري لحقوق الانسان الي المزيد من التطوير؟ وكيف نبني مفوضية مستقلة و مثلي تهتم بحقوق الانسان؟ وكيف نحصي ونحصر النشاطات المتعددة التي تصب في خانة تعزيز الحقوق وجعلها بناءاً شامخاً نعتز به امام الشعوب.

الإشارات الغامضة في الخطابين الأمريكي والسوداني وتفسيرهما


محمد كامل عبد الرحمن


ما هي مدلولات الخطاب السوداني تجاه الإدارة الامريكية في ظل التوادد المتبادل بين المبعوث الامريكي الخاص اسكوت غريشن وإصطاف وزارة الخارجية السودانية؟ هل تشهد العلاقات بين البلدين تقدماً مثلما يستشف من عبارات الدكتور مطرف صديق الحاضة للطرف الآخر بالتقدم نحو المزيد من الاهتمام بالعلاقات، أم ان الخارجية ترسل إشارات ضمنية للحصول على المبتغى من خلال الإيعاز للأطراف المعنية بأن الأجواء اليوم في السودان أفضل مما كانت عليه في السابق، وأن الحكومة السودانية التي تمثلها الخارجية تستطيع أن تقدم المزيد من التفاهمات على كافة الأصعدة وصولاً الي مرحلة تطبيع العلاقات بشكل كامل، والخروج من مستنقع الشد والجذب الذي ظل يحاصر مسيرة هذه العلاقات منذ أكثر من عقدين من الزمان. إن المتابع لطبيعة التحليلات التي تصدر في الفترة الأخيرة عن أسباب التعثر في العمليات المستمرة من جانب واحد لتطبيع العلاقات السودانية مع الإدارة الامريكية، يلاحظ أن ثمة سطحية ظلت تلازم تلك التحليلات، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض ان واشنطون تميل الى التعامل مع الحكومة السودانية بالتركيز أكثر على شقها الجنوبي الذي تمثله حكومة الجنوب بزعامة الحركة الشعبية وتهمل تماماً الشق الذي يمثل شمال السودان وتحمله زيادة على ذلك مسؤوليات بأثر رجعي في رعاية ودعم الإرهاب، رغم الجهود المبذولة لغسل ذلك الملف من اطراف مختصة، بالإضافة الى مخرجات أزمة دارفور الموجودة على الأرض وتلك التي تبرز بين الفينة والاخرى في صورة مفردات مثل الإبادة الجماعية وصويحباتها، يرى آخرون أن الإدارة الامريكية ربما تعيد النظر في خياراتها تجاه تبديل النظام القائم حالياً بالعمل على تثبيته خدمةً لأهدافها هي في المقام الأول، خاصة أن البدائل الاخرى تندرج تحت إطار الرهان على الفوضى المفضية الى نسف الاستقرار بالكامل. ولكن دعونا قبل تفسير مغازي الرؤى المتباينة تجاه حقيقة ما ينطوي عليه ملف العلاقات بين واشنطون والخرطوم، دعونا ندخل الى صلب الخطاب الامريكي تجاه السودان الذي بدا واضحاً من خلال خطابات الرئيس الامريكي باراك اوباما في مصر وفي غانا إبان زيارتيه الشهيرتين لذينك البلدين، فقد ذكر أوباما وهو يخاطب الحضور في مصر أن إدارته تنظر الى الوضع في دارفور باعتباره إبادة جماعية، وكرر ذات الوصف للأزمة خلال مخاطبته ملايين الأفارقة في غانا، وزاد بالقول وهو يصف أزمة دارفور «يجب أن نصمد أمام الوحشية التي تعيش بين ظهرانينا، انها ليست ابدا مبررا لاستهداف الابرياء باسم الإيديولوجية، ومن يحكم بالإعدام على المجتمع مستخدماً القوة بلا هوادة فيها لقتل الأطفال والنساء واغتصابهن في الحروب، يجب علينا أن نكون شهودا على قيمة كل طفل في دارفور وكرامة كل امرأة في الكنغو». إذن الإدارة الامريكية تنظر الى الوضع في السودان باعتباره وضعاً حرجاً يتخذ شكل الجرائم ضد الانسانية، وتحمل الحكومة السودانية مسؤولية ما جرى، ولن يتأتى لأي شخص أن يتعهد بإزالة هذه الرؤية إلا الإدارة الأمريكية نفسها وفق آلياتها المتعددة التي لن تتفق على التغاضي عما تراه وتصفه بالوحشية، وستكون نقطة الوصول التالية في ظل رؤى متباينة بهذا المستوى، أن تدعم الادارة الامريكية جهود المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما لن ترضاه الحكومة السودانية، فعلى اي اساس مستقبلي تراهن الخارجية السودانية في تواددها المستمر مع مبعوث الرئيس الامريكي؟ وإذا قلنا بأن المبعوث الامريكي يستطيع أن يعكس الرؤية اللازمة لتحسين وتطبيع العلاقات، وان رؤية اوباما تجاه ما جرى في دارفور مقدور عليها، فإن مفردات اوباما ستطارد وتدحض هذه المجادلة، والميديا الامريكية والافريقية تقود الخطوط الى نهاية المطاف، بحيث تصبح كلمات اوباما افعالاً لا أقوال، وهو ما ركز عليه في خطابه بغانا حينما قال «أمريكا ستتحمل مسؤولية دفع هذه الرؤية، وليس بالكلام فقط، ولكن مع الدعم الذي يعزز القدرة الأفريقية، وعندما تكون هناك إبادة جماعية في دارفور أو إرهابيون في الصومال، فهذه ليست مجرد مشاكل أفريقية بل هي تحديات تواجه الأمن العالمي، وتتطلب استجابة عالمية، هذا هو السبب في أننا مستعدون للمشاركة من خلال الدبلوماسية، والمساعدة التقنية، والدعم اللوجستي، وسوف نقف وراء الجهود الرامية الى اجراء محاسبة مجرمي الحرب. واسمحوا لي أن أقول بوضوح: لدينا قيادة عسكرية في افريقيا لا تركز على اقامة موطئ قدم في القارة، بل على مواجهة هذه التحديات المشتركة لتعزيز الأمن في اميركا وافريقيا والعالم». إذن اوباما يعد بأن إدارته ستعمل على دعم الجهود الرامية لمحاكمة مجرمي الحرب، فمن يقصد بذلك وكيف؟ وما هي انعكاسات الرؤية الامريكية على الحوار الجاري بين أطقم الخارجية السودانية ومنسوبي إدارة اوباما؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب شجاعة كافية من قبل المسؤولين السودانيين الممسكين بملف معالجة أزمة العلاقات بين واشنطون والخرطوم، وهم يحتاجون الى المزيد من الإفصاح عن رؤيتهم تجاه هذه الموضوعات الشائكة وكيفية معالجتها، قبل أن يعدونا بقرب انتهاء القطيعة المتطاولة للعلاقات بين البلدين، او تحديداً قبل ان يرسلوا الإشارات للإدارة الامريكية بالتقدم الى الأمام نحو المزيد من التطبيع، ونحن هنا نتساءل يا ترى الى اي مدى ستتقدم واشنطون نحو الخرطوم في ظل التقدم المريع للرئيس اوباما في خطابه الكاشف لمستقبل العلاقات، وهل ستساهم مثل هكذا إشارات في تغيير رؤية الإدارة الامريكية لما بين يديها من بيِّنات صاغت بموجبها خطابها الرئاسي؟ إن التفسير المنطقي للأمور يفيد بأن الأمل في تحسن العلاقات بين واشنطون والخرطوم يتبدد يوماً بعد يوم، وليس مرد ذلك الى فشل العاكفين على الامر، بل يعود السبب الرئيسي الى عدم التكافؤ في تفهم طبيعة وكيفية اتخاذ القرار وطرائق التفكير لدى الطرف الآخر.