الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

الإشارات الغامضة في الخطابين الأمريكي والسوداني وتفسيرهما


محمد كامل عبد الرحمن


ما هي مدلولات الخطاب السوداني تجاه الإدارة الامريكية في ظل التوادد المتبادل بين المبعوث الامريكي الخاص اسكوت غريشن وإصطاف وزارة الخارجية السودانية؟ هل تشهد العلاقات بين البلدين تقدماً مثلما يستشف من عبارات الدكتور مطرف صديق الحاضة للطرف الآخر بالتقدم نحو المزيد من الاهتمام بالعلاقات، أم ان الخارجية ترسل إشارات ضمنية للحصول على المبتغى من خلال الإيعاز للأطراف المعنية بأن الأجواء اليوم في السودان أفضل مما كانت عليه في السابق، وأن الحكومة السودانية التي تمثلها الخارجية تستطيع أن تقدم المزيد من التفاهمات على كافة الأصعدة وصولاً الي مرحلة تطبيع العلاقات بشكل كامل، والخروج من مستنقع الشد والجذب الذي ظل يحاصر مسيرة هذه العلاقات منذ أكثر من عقدين من الزمان. إن المتابع لطبيعة التحليلات التي تصدر في الفترة الأخيرة عن أسباب التعثر في العمليات المستمرة من جانب واحد لتطبيع العلاقات السودانية مع الإدارة الامريكية، يلاحظ أن ثمة سطحية ظلت تلازم تلك التحليلات، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض ان واشنطون تميل الى التعامل مع الحكومة السودانية بالتركيز أكثر على شقها الجنوبي الذي تمثله حكومة الجنوب بزعامة الحركة الشعبية وتهمل تماماً الشق الذي يمثل شمال السودان وتحمله زيادة على ذلك مسؤوليات بأثر رجعي في رعاية ودعم الإرهاب، رغم الجهود المبذولة لغسل ذلك الملف من اطراف مختصة، بالإضافة الى مخرجات أزمة دارفور الموجودة على الأرض وتلك التي تبرز بين الفينة والاخرى في صورة مفردات مثل الإبادة الجماعية وصويحباتها، يرى آخرون أن الإدارة الامريكية ربما تعيد النظر في خياراتها تجاه تبديل النظام القائم حالياً بالعمل على تثبيته خدمةً لأهدافها هي في المقام الأول، خاصة أن البدائل الاخرى تندرج تحت إطار الرهان على الفوضى المفضية الى نسف الاستقرار بالكامل. ولكن دعونا قبل تفسير مغازي الرؤى المتباينة تجاه حقيقة ما ينطوي عليه ملف العلاقات بين واشنطون والخرطوم، دعونا ندخل الى صلب الخطاب الامريكي تجاه السودان الذي بدا واضحاً من خلال خطابات الرئيس الامريكي باراك اوباما في مصر وفي غانا إبان زيارتيه الشهيرتين لذينك البلدين، فقد ذكر أوباما وهو يخاطب الحضور في مصر أن إدارته تنظر الى الوضع في دارفور باعتباره إبادة جماعية، وكرر ذات الوصف للأزمة خلال مخاطبته ملايين الأفارقة في غانا، وزاد بالقول وهو يصف أزمة دارفور «يجب أن نصمد أمام الوحشية التي تعيش بين ظهرانينا، انها ليست ابدا مبررا لاستهداف الابرياء باسم الإيديولوجية، ومن يحكم بالإعدام على المجتمع مستخدماً القوة بلا هوادة فيها لقتل الأطفال والنساء واغتصابهن في الحروب، يجب علينا أن نكون شهودا على قيمة كل طفل في دارفور وكرامة كل امرأة في الكنغو». إذن الإدارة الامريكية تنظر الى الوضع في السودان باعتباره وضعاً حرجاً يتخذ شكل الجرائم ضد الانسانية، وتحمل الحكومة السودانية مسؤولية ما جرى، ولن يتأتى لأي شخص أن يتعهد بإزالة هذه الرؤية إلا الإدارة الأمريكية نفسها وفق آلياتها المتعددة التي لن تتفق على التغاضي عما تراه وتصفه بالوحشية، وستكون نقطة الوصول التالية في ظل رؤى متباينة بهذا المستوى، أن تدعم الادارة الامريكية جهود المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما لن ترضاه الحكومة السودانية، فعلى اي اساس مستقبلي تراهن الخارجية السودانية في تواددها المستمر مع مبعوث الرئيس الامريكي؟ وإذا قلنا بأن المبعوث الامريكي يستطيع أن يعكس الرؤية اللازمة لتحسين وتطبيع العلاقات، وان رؤية اوباما تجاه ما جرى في دارفور مقدور عليها، فإن مفردات اوباما ستطارد وتدحض هذه المجادلة، والميديا الامريكية والافريقية تقود الخطوط الى نهاية المطاف، بحيث تصبح كلمات اوباما افعالاً لا أقوال، وهو ما ركز عليه في خطابه بغانا حينما قال «أمريكا ستتحمل مسؤولية دفع هذه الرؤية، وليس بالكلام فقط، ولكن مع الدعم الذي يعزز القدرة الأفريقية، وعندما تكون هناك إبادة جماعية في دارفور أو إرهابيون في الصومال، فهذه ليست مجرد مشاكل أفريقية بل هي تحديات تواجه الأمن العالمي، وتتطلب استجابة عالمية، هذا هو السبب في أننا مستعدون للمشاركة من خلال الدبلوماسية، والمساعدة التقنية، والدعم اللوجستي، وسوف نقف وراء الجهود الرامية الى اجراء محاسبة مجرمي الحرب. واسمحوا لي أن أقول بوضوح: لدينا قيادة عسكرية في افريقيا لا تركز على اقامة موطئ قدم في القارة، بل على مواجهة هذه التحديات المشتركة لتعزيز الأمن في اميركا وافريقيا والعالم». إذن اوباما يعد بأن إدارته ستعمل على دعم الجهود الرامية لمحاكمة مجرمي الحرب، فمن يقصد بذلك وكيف؟ وما هي انعكاسات الرؤية الامريكية على الحوار الجاري بين أطقم الخارجية السودانية ومنسوبي إدارة اوباما؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب شجاعة كافية من قبل المسؤولين السودانيين الممسكين بملف معالجة أزمة العلاقات بين واشنطون والخرطوم، وهم يحتاجون الى المزيد من الإفصاح عن رؤيتهم تجاه هذه الموضوعات الشائكة وكيفية معالجتها، قبل أن يعدونا بقرب انتهاء القطيعة المتطاولة للعلاقات بين البلدين، او تحديداً قبل ان يرسلوا الإشارات للإدارة الامريكية بالتقدم الى الأمام نحو المزيد من التطبيع، ونحن هنا نتساءل يا ترى الى اي مدى ستتقدم واشنطون نحو الخرطوم في ظل التقدم المريع للرئيس اوباما في خطابه الكاشف لمستقبل العلاقات، وهل ستساهم مثل هكذا إشارات في تغيير رؤية الإدارة الامريكية لما بين يديها من بيِّنات صاغت بموجبها خطابها الرئاسي؟ إن التفسير المنطقي للأمور يفيد بأن الأمل في تحسن العلاقات بين واشنطون والخرطوم يتبدد يوماً بعد يوم، وليس مرد ذلك الى فشل العاكفين على الامر، بل يعود السبب الرئيسي الى عدم التكافؤ في تفهم طبيعة وكيفية اتخاذ القرار وطرائق التفكير لدى الطرف الآخر.


ليست هناك تعليقات: