الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

النهضة الزراعية بالنيل الأبيض حقيقة أم أسطورة؟

محمد كامل عبد الرحمن :
كانت مشاريع الإعاشة بالنيل الأبيض فكرة تنموية متقدّمة ابتكرتها العقلية الوطنية منذ قيام أول حكومة وطنية بعد الاستقلال، وكان الأمل أن تتم دراستها وإدخال التطويرات المستمرة عليها والتفكر في إمكانية تطبيقها في مناطق أخر من ربوع السودان، ولو أن السياسيين السودانيين يتوارثون الأفكار الجيدة مثلما يتوارثون الزعامات وقيادة الأحزاب والدوائر الانتخابية، لكنا اليوم سلة غذاء العالم بحق وحقيق ولاختصرنا عقوداً من الاقتتال بسبب الصراع على السلطة والثروة ولما أجلنا النظر في مساحاتنا الزاعية الشاسعة وتحسرنا على مشهدها وهي تشكو القحط والجفاف وجحود النعمة. هذه المقدّمة فرضتها وقائع البطء في تنفيذ ما يسمى بالنهضة الزراعية في ولاية النيل الأبيض مهد الزراعة والمياه الوفيرة التي تنساب عبر مجرى النهر الهادي الذي يشق تلك البقاع، فقد شكا آلاف المزارعين القاطنين في القرى حول مشروع الرحمة الزراعي بمحلية الدويم من بطء أعمال مدّ الترعة الرئيسية للمشروع والتي تبشر بري عشرة آلاف فدان إضافي ليتكامل المجموع مع بقية المساحات التي يتم استصلاحها عبر مشروع الرحمة، وحتى تاريخه لا يعرف السكان لماذا لا يسارع وزير الزراعة بالولاية سليمان مكي سليمان بانجاز عملية شق الترعة الإضافية للمزارعين في قرى شات والفلفلة وقوز الأحمر ومجق وقوز مرعفيب وغيرها؟ وهم يحملون الوزير مسؤولية تأخير العملية الزراعية بتلك المناطق ويطالبون والي الولاية محمد نور الله التجاني بضرورة الإيفاء بمستحقات التنمية وفق برنامج النهضة الزراعية الذي اعتمدته الحكومة المركزية كسياسة قومية واجبة التنفيذ وإذا كانت الحكومة قد رصدت لها من الميزانيات ما يكفي فلماذا البطء في شق ترعة شات؟ ومن المعلوم أن الترعة المذكورة تتطلّب شق مساحة سبعة كيلومترات من دوران مشروع الرحمة وأربعة كيلومترات إضافية لضمان وصول مياه الري لأكبر مساحة من الأرض الصالحة للزراعة، كما يطالب المزارعون بتوفير وابور إضافي وتوسيع ترعة الرحمة للسماح بجريان أكبر قدر من المياه لمقابلة عملية ري آلاف الأفدنة والتي ستعود على البلاد بالمحصولات والخير الوفير. إن قرى محلية الدويم الواقعة بالناحية الغربية من المدينة ظلت تعاني من التهميش وانعدام التنمية لعقود من الزمان، ومن النصفة والاعتدال أن تقوم الدولة ممثلة في حكومة ولاية النيل الأبيض بمكافأة السكان في تلك المناطق بشق ترعة شات خاصة وان اغلبهم مزارعون ولا يطلبون أكثر من مياه وتقاوى، وقد وعدهم الوزير سليمان مكي بشق الترعة وقد مضى علي وعده ذاك قرابة العام ونحن نخشى أن يتطاول الأمر ويدب اليأس في قلوب المزارعين فينصرفون إلى ممارسة التجارة الهامشية والهجرة الى المدن. إن الدولة مطالبة بتوفير معينات الزراعة لمن يقول أعطونا الري والتقاوى وسنعطيكم الخضرة والمحاصيل والخضروات والفاكهة بإذن الله، وحتى يتحقق حلم النهضة الزراعية من المهم القول إنه لا زراعة بلا ماء وإنما تقوم الدولة بتوفير المياه للمزارعين حتى تتكامل الأدوار من اجل سودان اخضر في كل ربوعه من مروي في اقصى الشمال الى شات في قلب النيل الأبيض والتي كان يضرب بها المثل في العمران الزراعي، وكانت تعرف بالدويم شات أمامها بحر وخلفها حواشات، والآن يعيش السكان في تلك البقاع أسوأ فترات سنيهم، فإلى جانب حسرتهم اليومية على منظر الارض البور البلقع التي لا تجد الري واعتمادهم على ماء السماء في مواسم الخريف يتصبرون أيضاً على العطش وقلة مياه الشرب وقلة الآبار لهم ولأنعامهم وهم بين هذا وذاك مضطرون لتصديق كل أسطورة ولو كانت وعداً بنهضة زراعية مؤجلة أو بطيئة الجريان.

ليست هناك تعليقات: