الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

ملف حقوق الإنسان...الأبعاد الثلاثية


محمد كامل عبد الرحمن:

هل كان الوفد الحكومي المشارك في إجتماعات مجلس حقوق الانسان بجنيف ينتظر مكافأة من المجلس الدولي على التحسن المضطرد لحالة الحقوق في السودان؟ اذا كان الوفد يتطلع الى نيل ذلك يكون قد تجاهل طريقة المجلس في النظر الى حالة الحقوق والآليات التي يعتمد عليها في الوصول الى المعلومات وغربلتها وإستخلاص النتائج عبر تحليلها وفق برنامج الإحصاء التحليلي..ثم تأتي بعد ذلك المؤثرات السياسية وجماعات الضغط والمنظمات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الانسان ليتشكل في نهاية المطاف القرار الذي يمكن ان يصدر في ختام اعمال الإجتماع الحادي عشر للمجلس والذي انعقد بمقر المجلس بمدينة جنيف السويسرية منتصف الشهر الجاري ، فإذا كان الوفد الحكومي قد تجاهل قواعد اللعبة فإن قرار المجلس بتعيين خبير مستقل لحقوق الانسان بالسودان يجب ان لا يشكل صدمة ، وعلى الآليات الحكومية ان تنشط مجدداً بإبتكار المزيد من الأفكار الجيدة وممارسة التدريب العملي للحاق بالملف الراكض دوماً نحو المجهول. لقد بدأ القصور الحكومي في معالجة ملف حقوق الانسان منذ العام الماضي اثناء إنعقاد الإجتماع العاشر للمجلس في سبتمبر الماضي ، فقد بدا واضحاً ان الممسكين بالملف رسمياً لا يهتمون بالمعلومات التي يمكن ان تعتمد عليها السيدة سيما سمر المقرر الخاص بالحالة في السودان حينما تزور البلاد لجمع المعلومات وتوردها في ملحق خاص مع التقرير، واكتفوا بما هو رائج في وسائل الاعلام عن إجازة البرلمان لبعض القوانين المعززة لحقوق الانسان مثل قانون الطفل والمرأة وحقوق ذوي الإعاقة متناسين ان المجلس إنما يصدر عن رؤية متكاملة لحقوق الانسان تتصدر الحقوق العامة والحريات المدنية والسياسية أعلى سلم أولويات إهتمامات المجلس ، ومن المهم ان يملكوا المقرر الخاص كافة المعلومات الخاصة بالتحسن والإخفاق الحكومي في هذا المجال ويمكنوها من زيارة المناطق التي تطلب زيارتها حتي تتحقق من المعلومات المتسربة الي حقيبتها من النشطاء المستقلين ، والتعامل معها علي اساس انها موظفة اممية وليست ناشطة سياسية في احد احزاب المعارضة السودانية لأن النظر اليها من هذه الزاوية فيه الكثير من الإساءة الى وظيفتها وبالتالي الإساءة الي المجلس والمنظومة الاممية ككل ، والأفضل من كل ذلك عدم الإكتراث للأمر ورفض التعامل مع المجلس الدولي وعدم تجشم مشقة السفر الي جنيف كل عام مرتين وتبديد المال العام في الصرف علي الكومبارس الرسمي والطوعي المصاحب ، وللمعلومية فإن نفقات سفر المجموعات الطوعية شبه الحكومية مثل المجموعة الوطنية لحقوق الانسان التي يرأسها ابراهيم عبدالحليم الامين العام لمؤسسة الشهيد الزبير الخيرية بلغت مائة وخمسون الف دولار في الإجتماع العاشر لمجلس حقوق الانسان تم صرف اكثر من 70% منها علي تذاكر السفر والفنادق السويسرية والنزول الي مصر فيما ظل مصير بقية المبلغ مجهولاً مثل عدد اصحاب الكهف الذين لا يعلم عددهم إلا قليل واذا اضفنا الي المبلغ المذكور حقيقة المبالغ التي تم رصدها لما يسمي المجموعة الوطنية دون بقية النشطاء للمشاركة في الاجتماع الاخير فإن الحصيلة ستكون المزيد من الاموال المبددة ادراج الرياح. ان المجلس باعتماده لآلية الخبير المستقل وإطرائه للتحسن في حالة حقوق الانسان في السودان في الفترة القليلة الماضية إنما يبني قراره علي المعلومات غير المنظورة التي توافرت له عبر آلياته ومصادره الخاصة ، وإلا فإن الطبيعي اذا كان المجلس يثق في حقيقة التحسن المذكور ان يتبني رؤية السودان والمجموعة الإفريقية والعربية بإلغاء ولاية المقرر الخاص وعدم إعتماد اي آلية تخص حالة حقوق الانسان... ولكن ومع ذلك يتبقي الأمل في تبني الجهات الرسمية المعنية بملف حقوق الانسان المعالجات الجادة المتعلقة بالملف والإهتمام بما يمكن ان يفيد في المستقبل من اطروحات هي الآن موجودة بأيدي خبراء في الشأن الإنساني لهم تجارب ثرة في معرفة طرائق اتخاذ القرار في المنابر الدولية ، ويجيدون التعامل مع تحديات الملف دون الإضرار بمسار الامور ، والشاهد ان هؤلاء الخبراء تتعمد بعض الجهات المقربة للسلطات تهميشهم بمختلف الأسباب وحرمانهم من المشاركة في الإعداد لاجتماعات المجلس الدورية نذكر منهم علي سبيل المثال الدكتور فتح الرحمن القاضي الناشط والخبير في الشؤون الانسانية والدولية واول مفوض للعمل الانساني بالسودان بل احد المؤسسين لهذا الصرح الكبير وهو رجل يشهد له جميع الناشطين في هذا المجال بالكفاءة والمقدرة علي إدارة الأوراق وله رؤي متقدمة في هذا المجال ، وللأسف الشديد تعرض هذا الرجل لحالة تجسس شنيعة من قبل ناشط عجوز في المجموعة الوطنية حينما طلب الاخير من السفير السويسري مده بقائمة اسماء المشاركين تحت مظلة المنظمة التي ينشط فيها الأول ، وهو سلوك يدعو للتأسف الشديد خاصة حينما يصدر من رجل كبير في السن يفترض فيه الحكمة وتحري الرشد والالتزام بتعاليم الإسلام ، وقد عبر السفير السويسري عن إستغرابه لسلوك الرجل وقام بإخطار المعنيين بالامر ضارباً مثلاً رائعاً في الحفاظ علي احترامه لمبادئ العمل الدبلوماسي. إن التحدي الماثل امام الجهات الرسمية والطوعية في الفترة القادمة مع تسلم الخبير المستقل المكلف بمتابعة ملف حقوق الانسان بالسودان لمهامه هو الجلوس لتدارك الامور والنظر في تاريخ المعالجات الرسمية للملف وما اذا كانت مجدية او ساهمت في فك اسم السودان من منظومة الإدانات المستمرة التي لا ينفك المجتمع الدولي إطلاقها علي البلاد ، كما يستلزم الامر كذلك دراسة حالة منظماتنا الوطنية الناشطة في مجال حقوق الانسان وما اذا كانت بالفعل تخدم القضية والسودان والانسان فقد برزت في الآونة الاخيرة الكثير من المنظمات الطفيلية المموهة والتي يطلق عليها المنظمات شبه الحكومية والتي يديرها ناشطون يجيدون إستخراج الأموال الحكومية للسفريات المتكررة ولا يجيدون إخراج إسم السودان من مستنقع الإدانات المتكررة ، ويعملون بسياسة ( كن خبيثاً تكسب) خاصة اولئك العجائز الذين يحرصون علي الظهور في المدن الاوربية وهم يرتدون الكوت الطويل والنظارات السوداء مثل عملاء الكي جي بي القدامي ويتأبطون الحقائب الجلدية الممتلئة بالدولار واليورو، وهم حقيقة لا يقدمون شيئاً لبلادهم سوي السلوكيات المستهجنة واكتساب الخبرة الطويلة الممتازة في تبديد المال العام وتوريثها لآخرين ، وهكذا تستمر الاسطوانة المشروخة عن المشاركة الدورية المزعومة للمنظمات في إجتماعات المجلس الدولي لحقوق الانسان. كما ان تحديات المرحلة القادمة تفرض نفسها بإعتماد العلمية في التعامل مع المؤسسات الدولية ، العلمية والتقانة الحديثة وليس الخطابات العاطفية التي تحوي طلبات خجولة من المجتمع الدولي لتمويل سياسات حكومية من اجل تعزيز حالة حقوق الانسان ، ومن المهم الإشارة الي ان مؤسسات المجتمع الدولي تملك إمكانيات التمويل ولكنها لن تبذلها اذا كانت المعلومات الواردة من دولة ما مشوشة وتحتوي علي اغلاط وفرضيات لا تؤسس لرؤية واضحة ، ومن المهم كذلك النظر الي مؤسساتنا ومنظماتنا الوطنية المتخصصة في متابعة وتعزيز حقوق الانسان بعين الرعاية خلاف جرثومة النظرة الإقصائية التي أفلح البعض في نقلها الي المسؤولين بدافع الإستحواز وحب التملك ، وعلي الجهات المختصة مراجعة الهياكل القائمة والتفاكر حول ما اذا كانت ترضي طموحاتنا وهل يحتاج مثلاً المجلس الاستشاري لحقوق الانسان الي المزيد من التطوير؟ وكيف نبني مفوضية مستقلة و مثلي تهتم بحقوق الانسان؟ وكيف نحصي ونحصر النشاطات المتعددة التي تصب في خانة تعزيز الحقوق وجعلها بناءاً شامخاً نعتز به امام الشعوب.

ليست هناك تعليقات: